نوع من الثقوب السوداء يمحو ماضيك ولكن لا يسحقك!

170510-time-travel-mn-1150_62ae0216673fbd69cc88472ce207045d

|

توقّع فريق من علماء الرياضيات أنّ بعض الثقوب السوداء في الكون المُتسِع مثل كوننا يمكن لها أنْ تمحي تاريخ كل محتوياتها، محوًا للماضي بشكلٍ فعّال وتحويل المستقبل إلى علامة استفهام كبيرة. هذا بالضبط ما سيبدو عليه تخمين أي شخص من وجهة نظر المراقب، ولكن إذا اتضح أنّ هذا صحيح حقًا؛ فقد يكون لدينا في نهاية المطاف حل لأحد أكبر الأسئلة في علم الكونيات الحديث.

وطبقًا للاستنتاجات المنطقية لقوانين الفيزياء، فإنّ كل كتلة نجم مُنهار يتم ضغطها إلى نقطة صغيرة بشكل لا نهائي تُدعى المُتَفرِدة (Singularity). هذا يشبه إلى حد ما القول بأنَّ هناك مناطق في الفضاء تحتفظ بالأسرار عن بقية الكون، وهي أماكن تنهار فيها قوانين الفيزياء نفسها.

للتعامل مع هذا الانهيار بين الكون القائم على القواعد كما نعرفه، وهذه الأجزاء (مناطق مجهولة) من الثقوب السوداء، يُطبق الفيزيائيون ما يُسمى (الرقابة الكونية -cosmic  censorship). حيث تأتي فرضية الرقابة الكونية في اتجاهين:

  1. يقترح الأول أنّ هناك (حاجزًا – Barrier) داخل الثقوب السوداء أعمق من (أفق الحدث – Event Horizon)، بعد ذلك الحاجز يتم إلغاء الفيزياء فعليًا ولا يمكن التنبؤ بأي شيء، أو ما يُعرف بفرض الرقابة الكونية الضعيف (Weak Cosmic Censorship). يقوم هذا الحاجز بكبح هذه المفارقات المزعجة عن بقية الزمكان، مما يَحُول دون وجود أشياء مُخالِفة لقوانين الفيزياء.
  1. وينص الاتجاه الأخر -وهو أقوى من الأول- على أنه لا وجود لمثل هذه الأشياء التي تُخالف قوانين الفيزياء؛ وبالتالي لا وجود لذلك الحاجز، وتُطَبَق قوانين الفيزياء بشكلٍ من الأشكال، ويُطلق عليها فرضية الرقابة الكونية القوية (Strong Cosmic Censorship).

أعرب بيتر هينز (Peter Hinz)، عالم الرياضيات من جامعة كاليفورنيا بيركلي، عن شكوكه بالاتجاه الثاني قائلًا:

«لمدة 20 عام ومنذ منتصف التسعينات، اعتبر الناس أنَّ فرضية الرقابة الكونية هي أقربُ أنْ تكون صحيحة»، وأضاف: «نحن نتحدى وجهة النظر تلك.»

يدرسُ هينز وفريقه نوع من الثقوب السوداء الافتراضية غير الدوارة ذات الشحنة الكهربية والتي يطلق عليها (Reissner-Nordström-de Sitter black holes)، وسيكون لتلك الأنواع من الثقوب السوداء -نظريًا- حاجزً يُدعى أفق كوشي (Cauchy horizon). ولكن فيما بعد أفق كوشي يسقط مبدأ السبب والنتيجة في هذه المنطقة المُشوهة، ويسيل الزمان في المكان بسلاسة في لحظة سكون لانهائية.

وقد دافع أنصار نماذج الرقابة الكونية القوية إلّا أنّ تلك الآفاق -آفاق كوشي- سوف يتم طمسها من خلال المُتَفرِدة مع أدنى انحراف في جاذبية النجم المنهار، والتي يجب أنْ تستبعد آفاق كوشي لصالح نماذج الرقابة الكونية القوية.

تُظهر هذه الدراسة الجديدة كيف يمكن أن يستمرا -المُتفردة وأفق كوشي- من الناحية الفنية في التعايش حتى مع مثل هذه الاضطرابات، ولكن فقط عندما يتوسع الكون المحيط بالثقب الأسود بمعدل متسارع مثل كوننا.

السبب وراء هذا الاستنتاج مُعقّد جدًا، ولكن إليك شرح مُبسّط له:

بفضل الشحنة الكهربية لهذا النوع من الثقوب السوداء؛ فإنَّه سيكون لديها بالفعل دَفعة داخلية طفيفة تُقاوم قوة السحب الهائلة للجاذبية، مقاومةً ببراعة آثارها التشوهية في نسيج الزمكان، ويضع التوسع المستمر لكوننا حدود الوقت والطاقة لمنع التشوه حول المُتفردة. إنَّ الجمعَ بين هذين التأثيرين- الشحنة الكهربية وتوسع الكون- سَيُعزز فرضية أفق كوشي، مما يمنحنا مُتفردة مُدمِرة لقوانين الفيزياء ولحظة لانهائية خلف خط اللاعودة.

في هذه المنطقة الغريبة -ما بعد أفق كوشي- سيتم فصل الأشياء عن ماضيها، ولنْ يكون لها مستقبل معين، ويعني عبورها أنه لا يمكنك العودة أبدًا، لكنك لنْ تُسحق كذلك. لا تقلق إذا اختلط عليك الأمر، فالباحثون أنفسهم ليسوا متأكدين من ذلك.

وقال الفيزيائي جو كوستا (João Costa) -من جامعة لشبونة البرتغال، وأحد أعضاء الفريق- موضحًا الأمربمثالٍ مألوف:

«بالتفكير في قطة شرودنغر؛ نعلمُ أننا نستطيع أنْ نحدد احتمالات أنْ تكون القطة حية وميتة في الوقت ذاته، ولكن إذا سقطت القطة داخل أفق كوشي؛ لن نتمكن حتى من حساب هذه الاحتمالات»؛ وهذا يجعل الثقب الأسود أكثر غرابة من جنون ميكانيكا الكم.

وبما أنَّ الثقوب السوداء من نوع Reissner-Nordström-de Sitter ربما لا تكون موجودة، أو قد يكون الأمر فلسفيًا أكثر، ولكنها فرضية مُثبتة رياضيًا، وقد تكون موجودة بالفعل.

 

ترجمة: أحمد رجب رفعت

مراجعة: محمد المصري

المصدر:

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي