النظريات المفسرة للشخصية

IMG_٢٠٢٤٠٢٠١_٢٣٥٧٤٢

أحياناً نتساءل لماذا يختلف البشر في صفاتهم وشخصياتهم؟ لنرى فلان لدية شخصية قوية في حين أخوه ضعيف الشخصية أو كما نوصفه بالعامية (ما عندهوش شخصية)
وهذا السؤال لم يُثِر الإنسان العادي فقط إنما استثار بعض الفلاسفة والعلماء أيضاً.
فلذلك يستعرض هذا المقال بعض النظريات المفسرة لطبيعة وماهية الشخصية، لفهم اختلاف طبيعة الشخصيات ابتداءً من الابراج والنظريات القديمة لفلاسفة اليونانية وصولاً للنظريات الحديثة في علم النفس.

الأبراج وتحليل الشخصية:-

يميل كثير من الناس إلى تفسير شخصيتهم وشخصية من حولهم عن طريق الأبراج، برغم من علمهم أن هذة الطريقة غير علمية ولا تستند إلى القواعد العلمية
حيث يعتمد أغلب المنجمون على تنبؤات تعتمد على “حركة” النجوم، ولكن “الحقيقة” هي أن الأرض هي التي تتحرك، وليس العكس.
والسبب الذي يجعل النجوم تبدو وكأنها تتحرك هو: دوران الأرض حول نفسه ع مدار اليوم، ودوران الأرض حول الشمس ع مدار السنة.
ولكن قبل أن يعرف معظم البشر ذلك، أمضى الناس قديماً الكثير من الوقت في التفكير فيما يحدث هناك في السماء.

فإذا طُرحت عليك هذه الأسئلة عزيزي القارئ:-
1- هل أنت طموح جداً ؟
2- هل أهم ما يميزك الصدق؟
3- هل أنت من الأشخاص الحازمة؟
4- هل أنت شجاع ولا تخاف من أي شيء؟
5- هل لديك الكثير من المهارات الإبداعية؟
6- هل أنت متفائل بشأن كل شيء؟
على الغالب ستكون إجابتك (بنعم).
ولكن هذه الصفات يزعم المنجمون بأنها صفات برج الحمل، وحتى يا عزيزي إن لم تكن من مواليد هذا البرج على الغالب ستكون إجابتك بنعم.
ومثلاً من مشاهير برج الحمل:
(باسم يوسف، سوسن بدر، جاكي شان، عمر الشريف، إسعاد يونس، نادية الجندي….)
فهل من المنطقي أن كل هؤلاء يمتلكون نفس الشخصية ونفس الصفات!؟

ولكن السؤال هنا: لماذا يحب الناس تفسير شخصيتهم عن طريق الأبراج؟
ليجيب أودنفالد: حتى لو لم تكن الأبراج مبنية على دراسة علمية.
فإن السبب الذي يجعل البشر في أنهم يتجهوا إلى الأبراج يعود إلى شيء حقيقي للغاية:- ميل الإنسان إلى “الاختيار الذاتي” فهي:- ظاهرة نفسية تبحث عن التفسيرات التي نأمل أن تكون صحيحًا بالفعل.
كما يقول: “بأن الأبراج تضخم الإيجابيات، وتهمش السلبيات”
فإذا استمعنا لمنجمون الأبراج وهم يتحدثون عن السلبيات، سنجدهم يتحدثون بطريقة إيجابية عن السلبيات مثال: سيظهر برج الحمل عنجهية وإصرار على رأيه حتى لو لم يجد من يوافقه الرأي

الفلسفة والشخصية:-

اهتم الفلاسفة اليونانية بتفسير وفهم الشخصية، ولذلك وضع الكثير منهم بعض النظريات وأشهر هذه النظريات “نظرية الأنماط” للطبيب اليوناني هيبوقراط
حيث قسم الشخصية لأربع أنماط أو أمزجة
١- النمط السوداوي. ٢- النمط الصفراوي ٣- النمط الدموي ٤- النمط البلغمي، كما ربط الأربع أمزجة بسوائل الجسم

١-النمط السوداوي (مصدره الكلية) :- صاحبه يكون بطئ التفكير وقوي الانفعال ويميل إلى الانطواء والتشاؤم والانقباض والاكتئاب
٢-النمط الصفراوي (مصدره الكبد) :- صاحبه يكون طموح وعنيد وحاد الطباع وسريع الغضب
٣-النمط الدموي (مصدره القلب):- صاحبه سهل الاستثارة وسريع الاستجابة ويحب التفاؤل والمرح والضحك
٤-النمط البلغمي (مصدره المخ):- صاحبه بطئ الاستثارة ولديه خمول و تبلد انفعالي

ومن رأي هيبوقراط أن الشخص السوي هو الذي لديه توازن بين هذه الأمزجة، وإذا غلب مزاج على آخر سينتج عن ذلك الاضطرابات النفسية
وبرغم من أن هذه النظرية تعد من أول النظريات التي تربط بين الجوانب الفسيولوجية والشخصية إلا أن تم انتقادها:- بسبب عدم وجود دليل علمي لها، كما أنها تغافلت عن الفروق الفردية

المدرسة البيولوجية والشخصية :-

هذه المدرسة تؤكد على أن الوراثة لها دور في تحديد شخصيتنا، فالجينات هي التي تتحكم في شخصيتنا، وتؤكد على عدم وجود جين واحد مسؤول على سلوك ، فالشخصية تحكمها عدة جينات واستنتجوا رأيهم من خلال تجربة “مينيسوتا” الذي درست ٣٥٠ من التوائم  المتطابقة الذين تربوا منفصلين عن بعضهم وأجريت التحربة من عام “١٩٧٩ إلى ١٩٩٩”:-
ووجد الباحثين أن التوائم متماثلين ومتطابقين في شخصياتهم، برغم من تربيتهم المنفصلة عن بعض.
كما تساءل بعض البيولوجيين هل هناك علاقة بين شخصيتك وجسمك؟

حيث جلس عالم الأعصاب الألماني كريتشمر يراقب أمزجة البشر وأجسامهم وبناءً على ملاحظاته حدد ثلاث أنماط للشخصية :

١- النمط النحيل:- صاحبه نحيل وأطراف طويلة، ضيق الصدر، كما يميل إلى الانطوائية ويظهر هذا النمط بوضوح عند الفصاميين.

٢- النمط السمين:- متوسط الطول وبدين الجسم وأطرافه قصيرة، يميل للانبساط و مذبذب، إذا أصبح هذا النمط غير سوي فمن الممكن أن يصاب باضطراب ثنائي القطب

٣- النمط الرياضي:- جسمه متناسق، قوي البنيان لديه انطوائية نسبيا.

وقد توصل كريتشمر إلى هذا كله من خلال دراسة حالات المرضى
ولكن برغم من توصله لهذه النظرية من خلال دراسة حالات المرضى، إلا أن تم نقده بأن:- أفكاره كانت غير علمية ولا تستند للمنهج العلمي

التحليل النفسي والشخصية:-

مؤسس هذه المدرسة هو الطبيب النمساوي “سيجموند فرويد”
فرويد ركز على خبرات الطفولة، والصراعات، والدوافع اللاشعورية لفهم الطبيعة البشرية
ولكي يفهم فرويد الشخصية قسم العقل إلى ثلاث:-

١- العقل الواعي:- هو الجزء المتصل بالواقع، والشعور المباشر

٢- ما قبل اللاوعي:- شبهه فرويد بالمنطقة الضبابية فهو عبارة عن الجزء الغير موجود في الوعي ولكن يمكن تذكره واسترجاعه إذا ركزنا عليه

٣-اللاوعي:- عبارة عن مستودع لتخزين الدوافع الجنسية الغير مقبولة والعدوان والصراعات والذكريات المؤلمة والرغبات الغير مقبولة التي قام الفرد بكبتها فتحولت من الشعور إلى اللاشعور ولكنها تظهر من خلال الأحلام وزلات اللسان، ويرى فرويد أن زلات اللسان تكون بسبب دوافع جنسية أو عدوانية، كما يصعب في هذا المستودع استرجاع الأحداث

 

ولذلك قام بتشبيه العقل بالجبل الجليدي:- فالجزء الواضح والظاهري من فوق يمثل ١٠٪ فقط من حجم الجبل وهذا هو الوعي، أما الجزء المدفون من الجبل والذي يمثل الجزء الكبير منه هو يعتبر اللاشعور
وبذلك يقصد فرويد أن من يتحكم في مشاعرنا وسلوكنا هو الجزء المدفون وهو اللاشعور الذي يحدث فيه معظم الصراعات، فبالنسبة لفرويد أن اللاشعور هو القوى المحركة للسلوك

الأنا، الأنا الأعلى، الهو

قد تختلف مع رؤية فرويد، ولكن رأى فرويد ذلك بسبب تأثره بقصة أحد المرضى التي قام بتحليلها وهي قصة المريضة “آنا أو”
“آنا أو” هي امرأة نمساوية يهودية وناشطة نسوية، واسم “آنا أو” هو الاسم المستعار لمريضة دكتور “جوزيف بروير” والذي استعان بفرويد لعلاج هذه المرأة
وقام بروير بتشخصيها في البداية بسعال وشلل في الأطراف واضطرابات في السمع والكلام وهلوسة، ثم قام بتشخيصها “بالهيستريا”، ورأى فرويد أن السبب الحقيقي وراء هذا الاضطراب شعورها بالاستياء نتيجة تعب والدها ثم وفاته، وبسبب تعرضها لاعتداء جنسي في طفولتها، ولاحظ فرويد أن كل ما يترك المريضة تتحدث عن الحادثة والذكريات المؤلمة، تخف حدة الأعراض، ليصبح فرويد أول من استخدم طريقة “العلاج بالكلام” في الاضطرابات

كما رأى “فرويد” أن الأسباب الكامنة في “الهيستريا” هي “الاعتداءات الجنسية” مما أدى وقوع خلاف بينه وبين “بروير” لأن بروير رفض ربط الاضطرابات بالاعتداءات الجنسية، وبسبب تصميم فرويد على رأيه أدى إلى انفصال بروير عن فرويد مهنياً.
وبناءً على تقسيمات فرويد للعقل إلى ثلاث “الوعي/ ما قبل اللاوعي/ اللاوعي”

قسم النفس البشرية إلى ثلاث أيضاً وهما:-
١- الهو:- مبدأه اللذة فهو مستودع الشهوة والرغبات الجنسية، لا ينظر إلى الاعتبارات الأخلاقية الدينية فهو غير واقعي بالمرة

٢- الأنا:- هو الجزء الواقعي الذي يعمل على إشباع رغبة الفرد بالطريقة التي لا تتعارض مع الواقع، وقد يكون نشاط “الأنا” أحياناً شعوري، وأحياناً لا شعوري مستخدماً الحيل النفسية مثل التبرير

٣- الأنا الأعلى:- هو جزء لا عقلاني أيضاً فهي تمثل الضمير بطريقة صارمة ومتحكمة وتسعى دائماً إلى الكمال
وبرغم من أن نظرية فرويد تعتبر المؤسسة للتحليل النفسي إلى أن تم نقده بسبب:- أنه أغفل عن جوانب البيئة والوراثة، وتركيزه الزائد على الدوافع الجنسية.

المدرسة السلوكية والشخصية:-
مؤسس هذه المدرسة هو عالم النفس الأمريكي “جون واطسون” وفقاً لواطسون إن سلوك الفرد لا يحدده الوراثة ولا يحدده اللاوعي ولا الشعور، إنما يتحدد وفقاً للبيئة فهذه المدرسة تركز على السلوك الظاهري فقط، لإمكانية قياسه وملاحظته

فبالنسبة له يولد الطفل كصفحة بيضاء والتربية هي التي تشكل شخصيته، فالطفل يتعلم من خلال العادات والتقاليد المكتسبة عن طريق التعلم التقليد والملاحظة، فشخصية الفرد تستمد من خلال البيئة الخارجية بسبب الثواب العقاب
فإذا عوقبت على سلوك ما سيختفي هذا السلوك، أما إذا تم إثابتك عليه سيظهر بقوة
كما إن واطسون هو صاحب الجملة الشهيرة “أعطوني ١٢ طفلاً أصحاء وأنا أجعل منهم :- الطبيب والتاجر والمحامي والحرامي والمتسول بعيداً عن ميوله” عن طريق التدريب والتعلم من خلال الثواب والعقاب والمحاكاة.

وبالنسبة “لواطسون” نحن نولد بثلاث انفعالات فقط “الحب. الخوف. الغضب”، أما “الغيرة” التي نكتسبها مع الوقت فهي مزيج بين “الحب والغضب” فمثلاً غيرة الطفل من أخوه المولود ليس بسبب كره للمولود، ولكن لغضبه من” أمه” الذي يحبها لزيادة اعتناءها وتركيزها على الطفل الجديد.

واستنتج رأيه من خلال التجارب الذي قام بها ومن هذه التجارب:-
قام واطسون بتجربة على طفل يدعى” ألبرت”
واطسون أدخل الطفل ألبرت في غرفة فيها فأر صغير، في البداية كان يلعب ألبرت مع الفأر دون أن يخاف منه، ثم بعد ذلك قام واطسون بوضع الفار أمام الطفل وعندما يهم ألبرت بلمس الفار يطرق واطسون على الحديد بصوت عالي، وعندها بكى الطفل بسبب خوفه من الصوت ثم تكرر ذلك عدة مرات، عندما يريد الطفل لمس الفار يحدث هذا الصوت، فيبكي

حتى بدأ الطفل يخاف من وجود الفار، حتى بدون وجود هذا الصوت، ولم ينتهي الأمر عند ذلك، فقام الطفل بتعميم خوفه على جميع الحيوانات، حتى وصل الأمر به من أن يخاف من فراء أمه
وبذلك قدم واطسون مفهوم جديد عن “الفوبيا”
وبرغم من تقديمه لوجهة نظر جديدة إلا أن تم نقده:- بسبب تركيزه على السلوك الظاهري فبذلك شبه لإنسان بآلة وسلب الإنسان من آدميته، كما أهمل الجوانب النفسية والبيولوجية

سنتختم هذه المقالة برأي المدرسة الإنسانية
يطلق على المدرسة الإنسانية “القوة الثالثة” لعلم النفس بعد نظرية التحليل والسلوكية
مؤسس هذه المدرسة هو “إبرهام ماسلو” ركز ماسلو على الطبيعة الخيرة للبشر فالإنسان بالنسبة له خير بطبعه واعي بسلوكه فدائما له هدف محدد: فالإنسان لديه دافع لتحقيق ذاته، تكون رأي ماسلو بسبب دراسته لشخصيات الناجحة مثل اينشتاين وغيره.

 

كما ركز على الموضوعات الإنسانية الخيرة مثل التقدم وتحقيق ذات ولذلك صمم نموذج للحاجات الإنسانية على شكل هرمي

في قاعدة الهرم يكون ١- الحاجة الفسيولوجية مثل الجوع والعطش والجنس.

٢- الحاجة للأمن الرغبة في العيش بسلام

٣- الحاجة للإنتماء من خلال التعاون مع الآخرين.

٤- الحاجة للتقدير أي الهيبة والمكانة العالية

٥- وفي قمة الهرم الحاجة لتحقيق الذات مثل الإبداع والوصول للأهداف

هرم ماسلو

النقد الذي وجه له:-

١- رتب ماسلو الحاجات بترتيب متدرج وثابت، وكأن هذا الترتيب يتفق عليه كل البشر ، لكن في الحقيقة يختلف الفرد لآخر في ترتيب حاجته، لأن البشر ترتب الحاجات حسب احتياجاتها، فمثلاً يريد شخص أن يتزوج قبل أن يكمل دراسته، عكس إنسان أخر يريد أن يتزوج بعد إكمال دراسته

٢- نظرته المتفائلة جداً لطبيعة الخيرة، فالحقيقة ليس كل البشر يكون خيرهم أكثر من شرهم، فمثلاً الشخصية السيكوباتية شرها وحقدها أكثر بكثير من خيرها، ولا كل المجتمعات تهاجم العنصرية فدليل على ذلك وجود دولة إسرائيل فهي مستوطنة قائمة على التميز والفصل العنصري الشديد

في النهاية اختلف كل العلماء حول تفسير محكم للشخصية، لأن فالحقيقة أن الشخصية لا تتكون من مكون واحد إنما الشخصية هي نتاج لجميع ما ذكر سوء بيئية أو نفسية أو وراثية
فنحن ممكن أن نولد بدرجة ذكاء معينة ولكن يمكن أن ننميه من خلال طرق التعلم للمدرسة السلوكية ومن خلال دوافعنا النفسية التي تحفزنا على التغيير.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي