المخاطر العالمية الخمسة الناجمة عن أحداث غزة 2023

shutterstock_2378084027
  • بتاريخ 31 أكتوبر 2023 كتبت روبن رايت (Robin Wright) المحللة الاقتصادية في مركز ويلسون (Wilson Center) عن أهم المخاطر العالمية الناتجة عن أحداث غزة بمقالة عنونتها «المخاطر العالمية الخمسة الناجمة عن حرب غزة»، تستعرض تحليلها من منظور السياسة الخارجية الأمريكية.

إن حقيقة اتساع مخاطر الحرب بين إسرائيل وحماس وامتدادها إلى الساحة العالمية هي حقيقة واقعية لا يمكن إنكارها. أضف لذلك تعمق الأبعاد السياسية لهذا الصراع المستمر بين هذين الطرفين المتقاتلين، هذا الصراع الذي انعكست آثاره السلبية على اقتصاد الأطراف المتناحرة. أضف لذلك التبعات الاقتصادية التي قد يواجهها الاقتصاد العالمي -بما في ذلك اضطراب أسعار النفط والمواد الغذائية-. على الجانب الآخر ومن الناحية الجيوستراتيجية، قد تكون الصين واحدة من أبرز الفائزين القلائل في هذا الصراع. وكلما طال أمد الحرب، ازدادت هذه المخاطر.

مخاطر هذه الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط التي تقع ضمن حدود قطاع غزة، تلك المنطقة الصغيرة والمعزولة، والتي تتصارع مع دولة ذات اقتصاد مفتوح ومتنوع، تتعدى عواقب الصراع بين إسرائيل وحماس، الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر في صورة من موجات العنف المتصاعدة والمستمرة حتى يومنا هذا، تنتشر تبعاتها بالفعل في جميع أنحاء العالم. تتمثل مخاطرها العالمية في اضطراب اقتصادي غير معروفة آثاره قصيرة المدى أو طويلة المدى، بالإضافة إلى تزايد نقاط الضعف العسكرية، وما يصاحبها من تعميق للفجوات والاستقطابات السياسية، وما قد ينتج عنها من تحديات استراتيجية جديدة، مع تغير خارطة وتوجهات الجهات الفاعلة في المنطقة من الدول غير المتحاربة في هذا النزاع، مما يعني ضبابية توقع المستقبل الاقتصادي والسياسي للمنطقة وللعالم أجمعه.

الاضطراب الاقتصادي

في البداية فإن الاضطراب الاقتصادي العالمي قد بات حقيقة واقعية، فقد جاء في تقرير جديد مثير للقلق، قيام البنك الدولي بإعلان تحذير شديد من أن الصراع بين إسرائيل وغزة يمكن أن يؤدي إلى «صدمة» اقتصادية عالمية، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل ومعاناة الملايين من الجوع بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويمكن أن تظهر آثار كارثية مشابهة لما حدث في الأزمة المصاحبة لحرب عام 1973، عندما فرض الأعضاء العرب في أوبك (OPEC)، بقيادة المملكة العربية السعودية، حظرًا على مبيعات النفط إلى الولايات المتحدة ردًّا على قرار واشنطن بإعادة تزويد الجيش الإسرائيلي.

فقد ساهم الحظر النفطي لعام 1973 في «تصاعد أسعار النفط مع تداعيات عالمية». عندما بدأت الأزمة بتضاعف سعر برميل النفط أولًا، ثم تضاعف أربع مرات، مما أدى إلى تحمل الدول تكاليف باهظة فرضتها على المستهلكين، انعكست آثارها سلبيًا على الدول، وفرضت تحديات هيكلية لاستقرار الاقتصادات الوطنية بأكملها. كما أدى أيضًا إلى إرهاق الاقتصاد الأمريكي بشدة، الذي كان يعتمد بشكل متزايد على النفط الأجنبي.

على الجانب الآخر فقد استعرض تقرير البنك الدولي الجديد معالم الآثار المترتبة على هذا الصراع في الخمسين عامًا القادمة، حيث يأتي الصراع الأخير في الشرق الأوسط في أعقاب أكبر صدمة لأسواق السلع الأساسية منذ سبعينيات القرن العشرين، وهي حرب روسيا مع أوكرانيا. ويقول المحلل إندرميت جيل (Indermit Gill)، كبير اقتصاديي البنك الدولي ونائب الرئيس الأول لاقتصاديات التنمية، في بيان مصاحب للتقرير: «سيحتاج صانعو السياسات إلى توخي اليقظة، مع تصاعد الصراع، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمة طاقة مزدوجة لأول مرة منذ عقود، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا ولكن أيضًا من صراع الشرق الأوسط الجديد في قطاع غزة».

الاضطراب العسكري

ثانيًا، انجرت الولايات المتحدة إلى الصراع بدون مقدمات، مما سيترتب عليه خطر حقيقي، فقد يؤدي ذلك إلى اتساع دائرة الصراع العسكري، كنتيجة غير مقصودة لانتشارها في الشرق الأوسط. فقد قام البنتاغون بنشر فرقيتن ضاربتين بتعداد عسكري كبير، مع نشره لسفن حربية تحمل أكثر من 150 طائرة حربية في المنطقة. كما أعدت 2000 جندي للذهاب إلى المنطقة الأكثر تقلبًا في العالم، وذلك بهدف منع التصعيد الذي قد يجتذب أطرافًا أو دولًا أخرى ترغب في حماية مصالحها في المنطقة، مما يترتب عليه مخاطر إضافية لهذا الصراع.

وعلى الرغم من استعراض القوات الأمريكية لعتادها وقوتها بهدف إخافة خصومها، إلا أن ذلك قد جعلها أيضًا هدفًا سهلًا لهجمات خصومها القدماء في المنطقة. فمنذ بدء الصراع، أبلغ البنتاغون عن 23 هجومًا شنها وكلاء إيرانيون أطلقوا طائرات بدون طيار وصواريخ على القوات الأمريكية، منها 14 هجومًا على مواقع في العراق فقط، حيث ينتشر 2500 جندي أمريكي، وتسعة في سوريا، حيث يتمركز حوالي 900 جندي أمريكي. يتمركز الأمريكيون في أماكن متعددة، منتشرة بشكل ضئيل إلى حد ما، كجزء من الحملة المستمرة ضد داعش -حرب منفصلة-. وذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن معظم الهجمات فشلت في الوصول إلى هدفها، لكن 21 أمريكيا أصيبوا بجروح من تلك التي لحقت بهم.

أما في الساحة اللبنانية فقد قام حزب الله الجهة الفاعلة غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم، بتزويد حماس بترسانة عسكرية أكبر بكثير مما كانت عليه في السابق، وأصبح خطرًا أكبر بكثير على إسرائيل وحلفائها الأمريكيين.

وبالرجوع إلى التاريخ، نجد أن المخاطر المحتملة للقوات الأمريكية تعود إلى كارثة عسكرية في عام 1982، عندما نشرت الولايات المتحدة المئات من مشاة البحرية كقوات حفظ سلام لفصل إسرائيل والفلسطينيين في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي. انتهى الأمر بقوات حفظ السلام إلى الانجرار إلى الحرب الأهلية في لبنان بعد عام، وأصبحت هدفًا لحزب الله الناشئ آنذاك. في مثل هذا الشهر قبل أربعين عامًا، في 23 أكتوبر 1983، قاد سائق انتحاري سيارته إلى ثكنات مشاة البحرية المكونة من أربعة طوابق عند الفجر، بينما كان الرجال نائمين، وقتل 241 من أفراد البحرية، وكانت هذه أكبر خسارة في الأرواح العسكرية الأمريكية في حادث واحد منذ معركة إيو جيما (Iwo Jima). أضف إلى ذلك أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد أقر بالمخاطر، عندما قال «نحن قلقون من احتمال تصعيد وكلاء إيران هجماتهم ضد أفرادنا وشعبنا»، قال على شبكة سي بي إس (CBS) برنامج فيس ذا نيشن (Face The Nation) في 29 أكتوبر «نحن نتخذ كل التدابير للتأكد من أننا نستطيع الدفاع عنهم، وأن نرد بشكل حاسم إذا لزم الأمر.»

إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في العالم

ثالثًا، نعيش الآن في عالم متوتر ومتحول غير معروف المعالم، تظهر فيه أقطاب سياسية مختلفة كل يوم، حيث أدى هذا الصراع إلى انقسامات متعددة، ليس فقط إلى مؤيد لإسرائيل أو مؤيد للفلسطينيين، بل عادت موجات معاداة السامية بالظهور مرة أخرى، بما في ذلك التهديدات بالقتل للجماعات والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، وهي آخذة في الارتفاع بطرق مثيرة للاشمئزاز. وفي الوقت نفسه خرج مئات الآلاف في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين من لندن إلى كوالالمبور. مما يعني انقسام العالم تجاه هذا الصراع.

ويعتبر قيام المتظاهرين مرارًا بتعطيل شهادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمام الكونغرس حول قضايا الأمن القومي الأمريكي، واحدة من أبرز هذه الانقسامات. وصرخت امرأة بشدة «لا لحصار غزة»، وهي تلوح بلافتة قبل أن يطردها الأمن. وأطلق عديد من الحضور هتافات «وقف إطلاق النار الآن»، وكتب آخرون «غزة» بالطلاء الأسود على سواعدهم. حتى أن الحرب قسّمت حلفاء الناتو إلى مجموعات مؤيدة ومعارضة للحرب، حيث أدانت الولايات المتحدة الفظائع الوحشية التي ارتكبتها حماس، في حين وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها قوة احتلال ونفى أن تكون حماس جماعة إرهابية.

هذا الصراع قد أثبت أن فكرة الدبلوماسية التي يمكن أن تعزز لشرق أوسط مختلف من خلال «اتفاقيات إبراهيم» والترابط الجديد بين إسرائيل والخصوم العرب القدامى هي مجرد فكرة نظرية ثبت عدم صحتها على أرض الواقع، وسط غضب الشعوب المعادية.

وأصبحت فكرة أن الدبلوماسية يمكن أن تعزز شرقًا أوسط جديدًا تواجه الآن عقبات هائلة، وبات القادة الإقليميون الذين انخرطوا مع إسرائيل يتعرضون لضغوط كبيرة للتراجع عن خططهم، وقد لا ينتهي الانقسام في وجهات النظر بين مختلف دول العالم إلا بوقف القتال.

التحديات الاستراتيجية الجديدة

رابعًا، فكرة توقع أن تكون الصين هي إحدى أكبر الفائزين المتوقعين من هذا الصراع، هي مجرد فكرة مشكوك في صحتها، إذا أردنا تطبيقها على الصراع الحالي المعقد في الشرق الأوسط. وذلك لأن انخراط الولايات المتحدة في مساعدة وتسليح أوكرانيا، ودخول الصين لدعم روسيا اقتصاديًّا لم يجعلها ذلك الفائز الكبير، وبمقارنة حالة الصين في الصراعين نجد أنها تبنت الحياد منهما، ولكن استفادتها جاءت من الضعف الذي أصاب الولايات المتحدة من دخولها في حرب روسيا وأوكرانيا، وهي الآن تواجه التزامات مماثلة تجاه إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تنفق روسيا مواردها العسكرية في الحرب المستنزفة في أوكرانيا. ولا تواجه الصين تحديات استراتيجية مماثلة. فهي لا تعوق بناء جيشها، وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من آسيا، وتوجيه مواردها المالية ونفوذها الدبلوماسي إلى أجندة طويلة الأجل.

وقد أثبتت التجارب التاريخية السابقة للتدافع وتوسيع النفوذ العالمي في القرن الحادي والعشرين، أن الصين تستهدف تنمية أعمالها مع الدول النامية المحاذية لها والواقعة في ما يسمى بالجنوب العالمي، وهي غير معنية بنفس الدرجة بالشرق الأوسط. إلا إن تعاطف حلفاء الصين في دول الجنوب العالمي مع فلسطين، قد يدفعها لاتخاذ خطوات داعمة لهم لحماية مصالحها الإقليمية، وبالتالي فإن الحرب هي قضية يمكن للصين أن تستخدمها لحشد الدعم لقيادتها للبلدان النامية، وقد أشار لذلك الزميل أحمد أبو دوه في كتابته لمؤسسة تشاثام هاوس في لندن (Chatham House in London)، في 25 أكتوبر، عندما قال إن هدف بكين على المدى الطويل هو «تحطيم» مكانة واشنطن العالمية من خلال الاستفادة من التعاطف مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وهذا بدوره يساعد على كسب الدعم للمواقف الصينية بشأن القضايا الأساسية مثل شينجيانغ وتايوان ولرؤية شي جين بينغ (Xi Jinping) للحوكمة العالمية.

الجهات العدائية المحاربة غير الحكومية

خامسًا وأخيرًا تعكس الحرب في غزة التحديات التي تمثلها الجهات الفاعلة غير الحكومية، فالميليشيات التي ليست مسلحة أو مدربة تدريبًا جيدًا وغير الممولة بصورة مناسبة، بخلاف الدول التي لديها جيوش رسمية وقوات بحرية وجوية. مما يعكس أن الحرب في غزة تفرض تحديات تمثلها الجهات الفاعلة غير الحكومية. وعلينا أن لا ننسى أن إسرائيل قد خاضت أربع حروب تقليدية مع الدول المجاورة، في الفترة ما بين عامي 1948 و 1973، ولكن الأمر قد اختلف في السنوات الخمسين الماضية، كانت حروبها قد أصبحت مع الميليشيات، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى مواجهات متعددة مع حماس، وهي أطراف يصعب محاربتها بطريقة تقليدية.

ومن الأمثلة الداعمة لهذه الفكرة، أن الولايات المتحدة واجهت نفس التحديات المؤلمة مرتين في العراق، من 2003 إلى 2011 ومرة أخرى من 2014 إلى 2017، وفي أفغانستان خلال أطول حروبها من 2001 إلى 2021. ولم يكن لدى طالبان البحرية أو القوات الجوية، لكنها أجبرت أقوى جيش في العالم على الخروج. وفي إسرائيل أيضًا حدثت صدمت أخرى عندما قامت ميليشيا حماس بمحاربة إسرائيل، الدولة الأفضل تسليحًا في الشرق الأوسط، الأمر الذي قد يثير بدوره جهات فاعلة أخرى غير حكومية.

خلاصة ذلك أنه لم يعد ميزان القوى بين الجيوش التقليدية وغير التقليدية -بمعنى آخر الجيوش الكبيرة والصغيرة- بالضرورة خوارزمية قابلة للحساب اعتماداً على عدد الأسلحة والرجال.

فقد كان للحرب بالفعل تأثير عالمي خطير ظهرت بوادر نتائجه في أقل من شهر من بدء الصراع، وكلما طال أمد الحرب في غزة، زادت احتمالية حدوث عواقب أوسع نطاقا تتجاوز الحدود الإسرائيلية أو الفلسطينية، عرضنا منها خمسة في هذا المقال، وقد تزداد مخاطرها أكثر بكثير في المستقبل.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي