إحسان عبد القدوس: من لم يعش في جلباب أحد

احسان

بعد عزوفٍ عن القراءة قد داهمني منذ فترة ليست بقصيرة؛ وجدت نفسي أتسلّل رويدًا رويدًا لعالم الأفلام القديمة من جديد، قضيت ليالٍ عديدة من الأشهر الماضية في سهرات كلاسيكية تقليدية للغاية أمام التلفاز، بحوذة العصائر الباردة اللائقة بليالٍ صيفيَّة، أُتابع فيلمين فأكثر كلّ ليلة دون الشعور بوقتٍ يمر أو ليلٍ ينقشع. وفي إحدى السهرات يومًا عُرضَت مجموعة أفلام متتالية، كانت: «الخيط الرفيع»، و«النظارة السوداء»، و«أنا حُرّة». ورُغم أنها لم تكن المرة الأولى لي مع أيٍّ منهم؛ وجدتني أتابع الحوار وأسترسل معه بلذّة صوفيّ أثناء استماعه لحضرةٍ جديدةٍ يُدرك أنها ستصبح المُفضَّلة. وبعد أن انتهيت، انتبهت أن العامل المشترك بين الثلاثة أنهم قصّة وسيناريو وحوار الأديب المصري الراحل: «إحسان عبد القدوس».. هُنا اتضحت الرؤية.

مشهد من بداية فيلم: «النظارة السوداء»

عملاقٌ آخر من عمالقة الأدب العربيِّ، وواحدٌ من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب والعلاقات الإنسانية، وتحوّلت أغلب قصصه إلى أفلامٍ سينمائيّة، ويُمثّل أدب إحسان عبد القدوس نقلةً نوعيةً مُتميّزة في الرواية العربية؛ إذ نجح في الخروج من المحليِّة إلى حيّز العالميِّة، وتُرجِمَت معظم رواياته إلى لُغاتٍ أجنبية مُتعددة، واستطاع أن يرسُم طريقًا إلى التحرُّر الفكريّ والاجتماعيّ.

«ولذَّةُ الحياة في أخطارها..»

_الوسادة الخالية.

عن إحسان عبد القدوس

وُلد إحسان عبد القدوس في 1 يناير عام 1919، ووالدته هي روز اليوسف لُبنانيّة المولد وتركيّة الأصل، وهي مؤسِّسة مجلة «روز اليوسف» الشهيرة ومجلة «صباح الخير»، ووالده محمد عبد القدوس المهندس بالطرق والكباري الذي تبرّأت منه عائلته وطردته من المنزل عندما علمت بزواجه من ممثلة؛ فترك لابنه وظيفته الحكومية وتفرّغ للفن مُمثلًا ومؤلفًا مسرحيًا.

نشأ الطفل في بيت جده لوالده «الشيخ رضوان»، الشيخ المُتديِّن الذي كان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسُّك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، وفي الوقت نفسه كانت والدته الفنّانة والصحفيّة سيدةً متحرّرة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشّعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن؛ فكان إحسان ينتقل وهو طفلٌ من نّدوةٍ جده حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوةٍ أخرى على النقيض تمامًا لما كان عليه، ندوة «روز اليوسف»، فنشأ الطفل في بيئتيْن متعارضتين؛ فبيئةُ جده محافظة، وبيئةُ والدته أكثر تحرّرًا.

ويتحدث إحسان عن تأثير هذين الجانبين المتناقضين عليه فيقول:

«كان الانتقالُ بين هذيْن المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوّار الذهنيّ، حتى اعتدتُ عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي.. لا مفر منه».

درس إحسان بكُلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرّج عام 1942، وفشل في أن يكون مٌحاميًا، ويتحدّث عن فشله هذا فيقول:

«كنتُ محاميًا فاشلًا لا أجيد المناقشة والحوار، وكنت أداري فشلي في المحكمة إمَّا بالصُراخ والمشاجرة مع القضاة، وإمَّا بالمُزاح والنكات، وهو أمرٌ أفقدني تعاطُف القضاة؛ فودّعت أحلامي في أن أكون محاميًا لامعًا.»

بدأ إحسان يشعر بالثورة حيال الوضع الراهن نتيجة رؤية أمه في عناءٍ ونضال مستمر، لا تمل ولا تكل، وليس حالها كحالِ سائر الأمهات من حوله، فاتجه إليها وحاول التقرُّب من عالمِها عن طريق كتابة المقالات وإرسالها إلى مجلة «روز اليوسف» بدون اسم، وكانت القَصَص تنال استحسان والدته دون أن تعلم مَن كاتبها، فتقوم بنشرها، حتى صارحها بأنه هو من يكتب تلك المقالات صاحبة ذاك الاسم المستعار، وذات مرة كتب مقالةً سياسيَّةً عام 1945 بعنوان: «هذا الرجل يجب أن يذهب» ينقد فيها المندوب السامي البريطاني ويتدخل في شؤون الحكم؛ فتمَّ سجنه فترة قصيرة، وعندما خرج ولّته أمّه روز اليوسف رئاسة تحرير المجلة وكان عمره وقتها ستة وعشرون عامًا؛ مُعلّلةً ذلك بأن ما من رئيس تحرير لمجلتها لم يتم سجنه من قبل!

لكن إحسانًا لم يمكثْ طويلًا في مجلة روز اليوسف، ليقدّم استقالته بعد ذلك ويتولّى بعدها رئاسة تحرير مجلة «أخبار اليوم»، وكان لإحسان مقالاتٍ سياسية تعرَّض للسجن والاعتقالات على إثرها، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبَّهت الرأي العام إلى خطورة الوضع، وقد تعرَّض إحسان لمحاولات اغتيال عدّة مرات كمان سُجِّلَ بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قرارًا بإعدامه، وبالرغم من موقفه تجاه اتفاقية كامب ديفيد؛ إلا إنه اُتّهم بالتعاطف مع اليهود كما في قصة: «لا تتركوني هُنا وحدي».

بين الأدب والسينما

«أما عندما أسافر إلى الخارج فى إجازة
فإن معظم وقتي أقضيه على رصيف مقهى.. وحيدًا..
أنظرُ إلى المارة كأنما أنظر إلى زهورٍ طبيعية نثرها الله على الأرض ..
زهرة يثيرني جمالها.. وزهرة تثير عجبي.. وزهرة تثير شفقتي..
ومع كل زهرة أتمتّع بأن أترك خيالي يتصور لها قصة!
إن كلَّ فردٍ بين ملايين البشر له قصة قائمة بذاتها، تصلح للنشر..»

_الهزيمة كان اسمها فاطمة.

كتبَ إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة روايةٍ وقصَّة، وقدَّمت السينما المصريَّة عددًا كبيرًا منها؛ حيث تحوَّلت تسع وأربعون روايةً إلى أفلام وخمس رواياتٍ إلى نصوص مسرحيَّة وتسع روايات أصبحت مسلسلات إذاعية وعشر روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافةً إلى أن خمس وستين من رواياته تُرجِمَت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية، وقد كانت معظم رواياته تُصوّر فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة وحٌب الشّهوات والبُعد عن الأخلاق ومن هذه الروايات: «النظارة السوداء»، و«بائع الحب»، و«صانع الحب».

«لم تكن تعرف ماهو الحب، وإنّه أسمى من الجسد.. إنه الروح.. إنه الحنان، إنه الفكرة، إنه المعنى، إنه الإنسانية.. لم تكن تعرف أو تفهم شيئًا من هذا!»

_النظارة السوداء.

مشهد من فيلم: «النظارة السوداء»، منتصف الأحداث

ويتحدّثُ إحسان عن جرأته ككاتبٍ فيقول:

«لستُ الكاتب المصريّ الوحيد الذي كتبَ عن الجنس؛ فهناك المازني في قصته ثلاثة رجال وامرأة وتوفيق الحكيم في قصة الرباط المُقدّس وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت، ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان ولكنّي لم أضعف مثلهما عندما هوجِمت، فقط تحمَّلت سَخَط الناس عليّ؛ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب.»

كما أن الرئيس المصريّ الأسبق جمال عبد الناصر قد اعترض على روايته «البنات والصيف» لجرأتها الصريحة؛ لكنه لم يهتم لذلك بل وأرسل رسالةً إلى جمال عبد الناصر يبيِّن له فيها أن قصصه هذه من وحي الواقع، بل أن الواقع أقبح! وهو يكتب هذه القصص أملًا في إيجاد حلول.

«إن الغريبَ أكثرُ إخلاصًا من الصديق القريب؛ لأنه يبتعد قبل أن يتعرض إخلاصه للذبول.. والراحة الكبرى هي أن تُلقي بقصتك في أسماع غريب ، فكأنك بذلك تلقين بها في البحر، فبُعده عنك يطمئنك بأنه لن يستغل هذه القصة يومًا فيما يؤذيك..»

_الوسادة الخالية.

كان لإحسان عبد القدوس دورٌ بارزٌ في صناعة السينما، ليست فقط عن طريق الأفلام التي أُعِدَّت عن قصصه ورواياته؛ ولكن بالتي شارك في كتابة السيناريو والحوار للكثيرِ منها، فقد كان على النقيضِ من الأديب «نجيب محفوظ»، فهو لم يكن يؤمن بأن صاحب العمل الأدبي الأصلي لا علاقةّ له بالفيلم أو المسرحية التي تُعَد من عمله الأدبي؛ فقد شارك في صياغة وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم: «لا تطفئ الشمس» الذي كتب نص الحوار فيه كما كتب الحوار أيضًا لفيلم «إمبراطورية ميم» الذي كان قصته مكتوبة على أربعة أوراق فقط، كما شارك كذلك في كتابة سيناريو فيلم «أبي فوق الشجرة» الذي أُعتبر في وقتها نقلةً جديدةً في السينما الاستعراضيَّة ومن ثَم أتبعه بفيلم «أنف وثلاث عيون»، وفيلم «دمي ودموعي وابتسامتي»، وكذلك فيلم «بعيدًا عن الأرض» ومن ثَمَّ قدَّم فيلميْن للنجمة نبيلة عبيد، الأول: «العذراء والشعر الأبيض» والذي كان انطلاقةً كبيرةً لها في عالم النجوميّة بالاشتراك مع النجمين شيريهان ومحمود عبد العزيز، والثاني: «أرجوك اعطني هذا الدواء».

مشهد يجمع بين شيريهان ومحمود عبد العزيز من فيلم: «العذراء والشعر الأبيض»

وترد نبيلة عبيد بعد أن وصف النقّاد أعمالها مع إحسان بأنها كانت نقلةً كبيرةً في مشوارها الفني، فقالت:

«لقد كان سببًا في وجودي في عالم السينما، فلولاه لما كانت نبيلة عبيد! فقد كان ينتقي لي أدواري، ويعطيني العديد من النصائح؛ لذا فأنا مُمتنَّة له».

مشهد المواجهة بين شيريهان ونبيلة عبيد من فيلم: «العذراء والشعر الأبيض»

وقد وصلَ عدد رواياته التي تحوّلت إلى أفلامٍ ومسلسلات قُرابة السبعين فيلمًا ومسلسلًا سينمائيًا وتليفزيونيًّا، منها ما عُرِضَ ومنها ما لم يُعرَض؛ ليتربّع بذلك على عرش أكثر كاتبٍ وروائيٍّ له أفلامٌ ومسلسلات في تاريخ السينما والتليفزيون المصريّ، ولا ينافسه في ذلك إلا الأديب «نجيب محفوظ»، ولم يكن يتعامل مع أيِّ مخرج أو مُمثَّل؛ بل يتعامل فقط مع من يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله بصورةٍ جديّة وجيّدة، وصرّح إحسان أن من أفضل الممثلات التي تعامل معهن بل واستطعن تجسيد أدوار البطولة في رواياته كن: «لبنى عبد العزيز، ونادية لطفي، وسعاد حسني».

كانت تريد أن تنطلق..

وقد انطلقت عدَّة مرات.. كانت تذهبُ إلى الحقول في شارع بين الجناين.. وكانت في كلِّ مرةٍ تعود من انطلاقها لتستقبلها عمتها بالشبشب، وكان أحيانًا يتولى استقبالها زوج عمتها، وكانت في بادئ الأمر تبكي وتصرخ وتستغيث وهي تحت الصفعات وضربات الشبشب، ثم بدأت تدافع عن نفسها وتصرخ وتصد الضربات بذارعيْها وتجادل عمتها وزوج عمتها، وقد صاحت في وجههما يومًا: «أنا حرَّة.. أعمل اللي أنا عايزاه.. ما حدش له دعوة بيّا.»
وأخرسها كفّ زوج عمتها بصفعةٍ على شفتيْها، وردّت عمتها: «حرة!! حر لما
يلهفك، قليلة التربية!».. وعندما هدأت أخذت تكرر بلهجة ساخرة: «أنا حرة.. أنا حرة!! ثم انطلقت دموعها مرة أخرى..»

هل هي حرة، وهل يقدَّر لها يومًا أن تكون حرّة تفعل ما تريد؟.. متى ستخرج من هذا البيت؟ وإلى أين؟..

_ أنا حرة.

أمينة في حوار قويّ مع عمتها من فيلم: «أنا حرة»

وبالرغم من كمية الأفلام التي أٌنتِجَت من رواياته؛ إلا أن هناك جزءًا منها نجح نجاحًا باهرًا في السينما المصرية مثل أفلام: «لا أنام»، وهو من بطولة فاتن حمامة، و«في بيتنا رجل» من بطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف، وغيرها من الأفلام التي أثرت السينما المصرية، وعلى رأسهم فيلم «الخيط الرفيع»، والذي أحدث دويًّا كبيرًا وقتذاك بسبب قوة القصة والسيناريو والحوار الذي اشترك فيه الفنان محمود يس مع فاتن حمامة في مشاهدٍ خلّدتها السينما المصرية إلى وقتنا هذا.

الخيط الرفيع: ما بين الحب وغريزة التملُّك

ويقول إحسان:

«أما الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصصي في مقدمتهن كانت فاتن حمامة. فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلّت دور (نادية) في فيلم (لا أنام)، وعندما جسّدت دور (فايزة) في فيلم (الطريق المسدود)، وأذكر أني ذهبت يومًا أنا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم (لا أنام)، ووقفت أنا ويوسف السباعي مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة، فقد كانت تشبه البطلة الحقيقية للقصة التي كتبتها».

يحكي فيلم «لا أنام» عن قصة فتاة تعاني من عقدة «إليكترا» وهي عقدة تعلُّق البنت بأبيها لدرجة تجعلها تشعر بالغيرة عليه حتى من أمها، بل وتكرهها كما تركه زوجات أبيها..

مشهد من فيلم: «لا أنام»، غيرة نادية من زوجة أبيها

الفن بين الرقابةِ والنقد

«إني أستطيع أن أدّعي الوقار، وأستطيع أن أضغط علي قلمي حتي لا يكتب إلا في حدود نطاق المرسوم، ولكنني لا أريد! لأني أقوى من الإدّعاء، وأقوى من الكذب، وأقوى من أن أخجل من فني.»

كان إحسان عبد القدوس يكتب للناس ولا يضع عينيه على النٌقّاد؛ ولكن مثلما كانت له معارك سياسية في قصصه ورواياته التي كتبها، كانت له أيضًا منازلات فنيّة مع السينما ورقابتها، ومن أشهرها تدخُّل الرقابة في فيلم «البنات والصيف» حيث قامت بتعديل نهاية الفيلم وذلك بانتحار البطلة مريم فخر الدين وذلك عقابًا لها لأنها خانت زوجها في الفيلم وذلك عكس مُجريات القصة الحقيقية.

وفيلم «لا أنام» قامت الرقابة بتعديل نهاية الفيلم بحرق بطلة الفيلم فاتن حمامة لأنها كانت فتاة متجبّرة رغم أن القصة الأصليَّة لم تكن كذلك، وفيلم «يا عزيزي كلنا لصوص»، رفضت الرقابة اسم الفيلم بحُجة أنه يدل على أن فيه حُكمًا على كافة البلد بأنهم لصوص ووزير الثقافة في ذلك الوقت أوقف الفيلم سنتين حتى تمّت الموافقة عليه بعد ذلك، وغيرها من الأفلام التي عارضتها الرقابة بشدّة.

على الجانب الآخر

تزوّج إحسان من الفتاة الوحيدة التي أحبّها «لولا»، ورُزِقَ منها بولديْن، وعنها يقول إحسان:

«هي حبي الأول والأخير، وحتى الآن لم تستطع أيُّ امرأةٍ أن تزحزح مكانها في قلبي.»

إهداء من إحسان عبد القدّوس لزوجته في مقدمة رواية «لا تطفئ الشمس»
إهداء من إحسان عبد القدّوس لزوجته في مقدمة رواية «لا تطفئ الشمس»

 

أحسدُ نساءَ إحسان عبد القدوس! أحسد امرأةً حظيت بأن تكون بطلةً في روايته أو نجمةً في فيلمه، امرأة استطاع كاتبها أن يعرف ما تُحدِّث به نفسها، وكأنه نفسها! امرأة من صُنع كاتبٍ استطاعت أن تثور من خلال كلماته، وأن يكون لسان ثورتها إحسانًا. أحسد إحسانًا؛ لأنه أوتي من التفرُّد ما مكّنه من أن يكون صوتًا لنساءِ وفتيات رواياته، صوت براءتهم وخطاياهم في آنٍ صارخًا: «أنا الخيرُ وأنا الشر؛ أنا الإنسان». صوت الحريةِ، صوت الحرمان، صوت العذارى المغرماتِ بالشعر الأبيض، صوت مَن نست أنها امرأة، ومن لم تطفئ الشمس، صوت مَن كان طريقها مسدودٌ، ومَن كانت صعبة ومغرورة، من عبرت البحر بأقدامٍ حافية، صوت من عاشت بين أصابعِ الحب، صوت الدم، والدموع، والابتسامات!

وفي الثاني عشر من يناير عام 1990 رحلَ عن عالمنا مَن لم يعش في جلباب أحد؛ ليعلنها صريحةً للعالم بأنه لا يكذب ولا يتجمَّل؛ بل يكتب ما يشعر به، وينبع من صميم وجدانه، مُخلفًا وراءه إرثًا أدبيًّا وسينمائيًّا لم ينافسه فيه أحدٌ إلى يومنا هذا، إرثًا بمجرد أن تُبحر فيه.. لن تصل إلى البرِّ أبدًا!

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي