يعدُّ انفصالُ التخصصات من سمات الحداثة التي بحث فيها عدَّة مفكرين، ويمكن اعتبار تشارلز تايلور (Charles Taylor) صاحب أكثر المقاربات شمولًا في هذا الصدد (تايلور، ١٩٨٩، ٢٠٠٧)[1].
هذا التصدُّع يظهر جليًّا في اتباع مقاربةٍ تستهدف المشكلات في معالجة المواضيع الفلسفية؛ حيث يميل التقصِّي السطحي لأن يُفصَل منهجيًا عن أيِّ أسئلةٍ ذات صلةٍ بممارسات الفرد أو قناعاته وما إلى ذلك.
من وجهة نظرٍ تاريخية، هذا العزل للمواضيع -أو الفصل الضمني بين النظرية والتطبيق بشكل عام- ينبع بشكلٍ رئيس من الافتراضات الديكارتية التي تفصل الفرد العارف عن الشيء المعروف[2].
بغضِّ النظر عن الجذور التاريخية التفصيلية لهذا العزل، فإنَّ الحقيقة تبقى أنَّ أساليبَ الاستقصاء الحديثة للمشكلات لا تفصل فقط بين معرفتنا وكيفية الوصول إليها، بل تفصل أيضًا بين هذين العاملين وكيفية تأثيرهما على كينونتنا؛ عن طريق اعتبارِ المعرفة منفصلةً عن الحكمة، في حين تبقى العلاقة بين هذه العوامل إلى حدٍّ كبيرِ غير مُعالجة.
حتى المحاولات المعاصرة لإصلاح ما لا يمكن إصلاحه -من خلال نظرية المعرفة (virtue epistemology) على سبيل المثال- ينطلق مشروعها من الافتراضات الديكارتية بخصوصِ الفرد العارف والشيء المعروف (تفترض نظرية المعرفة فصلًا بين كيفية وصولنا للمعرفة الموثوقة وما هو معروف).
على الرغم من هذه الكسور الإشكالية، هناكَ وعيُ بأنَّ المعرفة والحكمة يجب أن يتصَّلا جوهريًّا (ليوفِّرا بهذه الطريقة دافعًا لترميم نواحي المقاربات القديمة للفلسفة، كما في نظرية المعرفة)، لكنَّ هذا الوعي يخدش السطح فقط، حيث إنَّ هناك بعدًا تكامليًّا أعمق وأوسع ما زال متروكًا خارج الصورة؛ ألا وهو السؤال المتعلق بكيفية اتصال العلم والحكمة بما يمكن تسميته الروحانية.
إنَّ صعود العلمانية على الأحرى هو المسؤول عن الانقسامات الإضافية بين الروحانية -التي كانت تُعدُّ غير قابلةٍ للفصل عن الدين- والعلم والحكمة (يتتبع عمل تايلور ٢٠٠٧ صعود هذه الانقسامات). لا يرسم النهج الذي اتَّبعهُ تمييزًا قويًا بين الدين والروحانية، لكنه أيضًا لا يقترح أنَّهما يعملان معًا بالتوازي. عوضًا عن ذلك، تتعلَّق المسألة بكيفية اتصال الحكمة بالإدراك الأوسع الَّذي وصلتْ له الروحانية.
تتعلَّق الإشكالية الأكبر بأنَّه حتى وإن تواجَدَ إطارٌ متكامل يربط ما نعرفه بكيفية معرفته (مثل ما تقترحه المقاربات النسوية على سبيل المثال)؛ فإنِّه ليس من الواضح كيف يتصل هذا الإطار بكينونتنا وغيرها من الاعتبارات الكونية.
العلم والحكمة والروحانية كلها أمورٌ لا يمكن تمييزها عن ذلك المنظور الأوسع، ولا أحبِّذ أنَّه يجب تمييزهم.
الحضارة اليونانية القديمة على سبيل المثال، تَعتبِر سؤالَ المعرفة والحكمة مُكوِّنًا أساسيًّا لكينونة الفرد، ويقع المشروع اليوناني كله في إطارٍ روحانيٍّ أوسع يسعى لفهم موقع الفرد في الكون[3].
قد تبدو جرأة هذا المشروع عتيقةً إذا ما قُورِنت بضخامة المعرفة التي تُكتسب حاليًا من الفيزياء والعلوم بشكلٍ عامٍ. غير أنَّ هذا التنقيب الروحاني القديم يُحيَى مجددًا عبر البحث المعاصر عن إعادة سحر الكون.
تتحدى هذه الأطر المعاصرة الانقسامات الديكارتية الضمنية عن طريق استيعاب العلم وعلاقته المكملة للحكمة، وعادةً ما تكون تلك الأطر مبنيةً على سعيٍ روحيٍّ على نطاقٍ أوسع.
الإطار المحدد الذي أقترحه هو ردُّ الاعتبار للفلسفة القديمة كطريقة حياة (هادوت ٢٠٠٥)، لكن يبقى أساسيًّا وضروريًّا استيعاب أفكار ميشيل سيرس (Michel Serres) ومايكل بولاني (Michael Polanyi) بالإضافة إلى أفكار نحو ٢٥ نظامًا معقدًا آخرين.
المصادر:
Takaki, K. (2016). Juarrero, Polanyi, and Complexity. Journal Of Philosophy Of Life, 6 (1), 23-25. Retrieved from http://www.philosophyoflife.org/jpl201602.pdf
[1] انظر أيضًا بيرمان ١٩٨١، وجراهام ٢٠٠٧، وجريفين ١٩٨٨، ولاندي وسالير ٢٠٠٩، وسبريتناك ١٩٩١ و١٩٩٧، وتولمين ١٩٩٠.
[2] راجع تايلز وتايلز ١٩٩٣ وتايلور ١٩٩١.
[3] راجع هادوت ١٩٩٥، ٢٠٠٢.