خطوة أخرى إلى الأمام في محاولة التعرف على طبيعة العدم. هل هو حقًا عدم بالمعنى الفلسفي؟ أم إنه يحتوي جسيمات ما؟
يبدأ هذا الموضوع تحديدًا من الفيزياء الكلاسيكية. فكان السائد أن الفراغ – أو العدم – منعزل انعزالًا تامًا عن المادة، فلن يتأثر الضوء أو يتغير أثناء سفره عبر الفضاء. أي أن الضوء سيسير طبيعيًا بلا أي تأثير، ذلك أن الفراغ فراغ تام.
بقي الحال كما هو عليه حتى جاء العالمان فيرنر هيزنبرج –Werner Heisenberg والأخر هو هانز هاينرش أويلر- Hans Heinrich Euler عام 1930. فتنبأ كل منهما أنه في مناطق المجالات المغناطيسية القوية يمكن للضوء أن يتغير استقطابه في الفراغ.
الاستقطاب –Polarization
باختصارٍ شديد، إن الضوء القادم من الشمس أو أي مصباح تهتز فيه تراكبات المجال المغناطيسي والكهربي عشوائيًا في كل الإتجاهات، واستقطاب الضوء يعني جعل تراكبات المجال الكهربي والمغناطيسي تهتز في اتجاه واحد. ولعل الصورة التالية توضح الأمر أكثر.
في الشكل التالي الضوء العشوائي ساقط على معدن الكالسيت من الشمس فيتم استقطابه.
وهذا كله ما أطلقوا عليه اسم انكسار الفراغ –Vacuum Birefringence في نظرية الديناميكية الكهربية الكمومية -أي فكرة تغيُّر استقطاب الضوء في الفراغ – ولكنها ظلت بلا دليل على المستوى الطبيعي لمدة ثمانين عامًا.
وقد انقضت الثمانون عامًا برصد العلماء في دراسة للنجم النيوتروني RX J1856.5-3754 في كوكبة الإكليل الجنوبي – Constellation Corona Australis، وهذاالنجم يبعد عنا حوالي 400 سنة ضوئية، ومن لا يعلم ما هو النجم النيتروني –Neutron Star فهي أنوية نجوم عملاقة انهارت على نفسها تحت تأثير وزنها عندما نفذ الوقود الذي يحافظ على التوازن داخلها وانفجرت كمستعر أعظم –Supernova.
ولكن ما أهمية هذا كله؟
النجوم النيوترونية مصنوعة من واحدة من أكثر المواد كثافة في الكون، فمعلقة واحدة من مادتها تزن بليون طن على الأرض. ولكن ليس هذا الجزء الأهم، فالأهم هو أنها تمتلك أقوى مجال مغناطيسي حولها معروف في كوننا هذا– أقوى من المجال المغناطيسي لنجم كالشمس بمليارات المرات- ، مما يسمح لاختبار ما تم التبؤ به عام 1930م.
طبقًا لنظرية الديناميكية «الكهربية الكمومية –Quantum Electrodynamics (QED)»؛ وهي نظرية تفسر تفاعل الضوء مع المادة، فإن الفضاء ممتلئ بجسيمات افتراضية –Virtual Particles التي تظهر فجأة للوجود وتؤثر على سلوك فوتونات الضوء، وهذه الجسيمات الافتراضية ليست كالجسيمات المادية الطبيعية كالإلكترونات والفوتونات، فهي تقلبات أو ذبذبات في المجال الكمي تشبه إلى حد كبير الجسيمات الطبيعية في الخواص، لكنها تظهر وتختفي فجأة في أي نقطة في المكان والزمان.
ولكن ما علاقة هذا ببداية المقال؟
في الواقع لم يتم ذكر أي جديد في القطعة السابقة، ففوتونات الضوء لا تتأثر بواسطة الجسيمات الافتراضية، فتسير كما هي بدون تداخل- حتى الآن الكلاسيكية تنتصر- ، ولكن أي منطقة في الفضاء الفارغ بها مجال مغناطيسي كثيف، كالمجال المغناطيسي حول النجم النيوتروني، يتم إثارة هذه الجسيمات الافتراضية فتؤثر على الضوء، وهذا التأثير يظهر كمنشور أو استقطاب للضوء المذكور في البداية. أي أن الفراغ في الفضاء تحول كمستقطب حلل الضوء أو غير من استقطابه، فالفراغ ليس فراغًا تامًا في هذه الحالة!
وفعلًا، وجد العلماء أن الضوء حول النجم النيوتروني RX J1856.5-3754مستقطب استقطابًا خطيًا بحوالي 16 درجة. وفسر العلماء هذا الاستقطاب بأن ما تم ذكره في الديناميكية الكهربية الكمومية عام 1930 كان صحيحًا، وتوضيح الاستقطاب في الشكل التالي:
إعداد : بيتر ساويرس
مراجعة علمية : Ahmed Mohamed
مراجعة لغوية : Ahmed Reda
المصادر :
http://www.sciencealert.com/we-just-got-the-first-real-evidence-of-a-strange-quantum-distortion-in-empty-space
http://www.space.com/34852-neutron-star-shows-quantum-property-evidence.html
http://www.eso.org/public/usa/news/eso1641/