إفرازات الحشرات والعناكب

إفرازات الحشرات والعناكب

يَقترِب الصّيف، وهو مَعروفٌ بأنَّه مَوسِمٌ مُفضَّلٌ لأغلب الحشرات؛ المَصدر الأكبر للإزعاج والتَّضايُق، حيثُ لسعات البعض مِنها، الّتي تُسبِّب الألم والحَكَّة. لذَلِك، ماذا لو نَظرْنا لما تَفْعَله الحشرات نظرةً كيميائيّةً؟

سُمّ النحل

فلنبدأ بالنّحل. الميلِتين (بالإنجليزيَّة: Melittin) هو المُكوِّن السّامّ الرّئيسيّ لسُمِّه، ويُشار إليه أيضًا باسم أبيتوكسين (بالإنجليزيّة: Apitoxin)، وهو بِبْتيدٌ يَشمَل نحو 50-55% مِن السُّمّ الجافّ. وهو مُركَّبٌ يُمكِنه تَفتيت أغشية الخلايا، ممّا يُؤدِّي إلى تدمير الخلايا. ومع ذَلِك، فإنَّه لا يُعتبَر العنصر الأكثر ضررًا في سُمّ النّحل؛ تَذهَب هذه الجائزة إلى إنزيمٍ يُشكِّل نحو 10-12% مِن السُّمّ، يُسمَّى فوسفوليباز-أ. هذا الإنزيم يُدمِّر الفوسفوليبيدات، كما أنَّه يُكسِّر أغشية خلايا الدّمّ، ممّا يُؤدِّي إلى تدمير الخلايا، بالإضافة إلى ذَلِك -وعلى عكس غالبيّة الجزيئات الأكبر في السُّم- فإنَّه يَتسبَّب في إطلاق العوامِل المُسبِّبة للألم. وهناك إنزيمٌ آخر، هو الهيالورونيداز، يُساعِد على عَمَل السُّمّ، عن طريق تَحفيز تَحلُّل مُجمّعات عديد السُّكّريّات البروتينيّة في الأنسجة، ممّا يَسمَح للسُّمّ باختراق المَزيد مِن اللّحم.

يُمكِن أن تُساهِم الجزيئات الصّغيرة الأخرى أيضًا في التّأثيرات المُؤلِمة، فقد عُثِرَ على كمّيّةٍ صغيرةٍ مِن الهيستامين في سُمّ النّحل. الهيستامين هو أحد المُركَّبات الّتي يُطلقها الجسم أثناء الاستجابة للحسّاسيّة، ويُمكِن أن يُسبِّب الحَكّة والالتهاب. يُمكِن أن تُسبِّب البروتينات المَوجودة في اللّسعة ردّ فعلٍ تَحسُّسيٍّ، ممّا يُؤدِّي إلى إطلاق المَزيد مِن الهيستامين، واحتمال حُدوث حَسّاسيّةٍ مُفرِطةٍ. [2]

سموم الدبابير والزنابير

أمّا بالنّسبة للدَّبابير (بالإنجليزيَّة: Wasps)، والزَّنابير (بالإنجليزيَّة: Hornets)، فلَدينا فكرةٌ جيِّدةٌ عن المُكوِّنات الرّئيسيّة لسمومها. الببتيدات المَوجودة في السُّمّ تُسمَّى كينين (بالإنجليزيَّة: Kinin) الدّبّور، أو كينين الزّنبور، ومِثل سُمّ النّحل فهي تَحتَوي أيضًا على فوسفوليباز-أ، وإنزيم هيالورونيداز، وهيستامين. ومع ذَلِك، هُناك بعض الاختلافات في التّركيب الكيميائيّ، بالإضافة إلى الاختلافات في النِّسَب المِئويّة للمُكوّنات المُختلِفة، فإنَّها تَحتَوي أيضًا على مُركَّب أستيل كولين، وهو عادةً لا يوجد في سُمّ النّحل. أستيل كولين هو في الواقع ناقِلٌ عصبيٌّ يُنتَج أيضًا في أجسامنا، ولَكنْ في سُمّ الزُّنبور، والدَّبّور، يُساعِد على تَحفيز مُستقبِلات الألم، ممّا يَزيِد من الألم الّذي ينتج عن اللّسعة والسُّمّ. تَحتَوي سُموم الدّبابير على مُستوياتٍ عاليةٍ بشكلٍ خاصٍّ مِن الأستيل كولين. [2]

تخفيف آثار السموم

رُبَّما قِيل لك مِن قَبل في دروس العلوم أنَّ لسعات النّحل حِمضيّةٌ، ويُمكِن مُعادلَتها بقَلويّاتٍ، في حين أنَّ لسعات الدّبابير قلويّةٌ، وبالتّالي يُمكِن مُعادلَتها بحمضٍ. ولكن للأسف، هذا إفراطٌ في التَّبسيط. ففي حين أنَّه مِن الصّحيح أنّ سُمّ النّحل يَحتوي على بعض المُكوِّنات الحمضيّة، بينما يَحتوي سُمّ الزّنبور على بعض المكوّنات القَلويّة، فإنّ السُّمّ يَخترِق الأنسجة بسرعةٍ بمُجرَّد اللّسعة. لذَلِك مِن غَير المُرجَّح أنْ تُوفَّر الرّاحة من خلال التَّضميد المَوضعيّ لحمضٍ أو قَلويٍّ على منطقة اللّسعة. بالإضافة إلى ذَلِك، بما أنّ السُّمّ هو مَزيجٌ مُعقَّدٌ مِن المُكوِّنات، والعديد مِنها له تأثيراتٌ مُساهِمةٌ، فمِن غير المُحتمَل أنّ تحييد عددٍ صغيرٍ مِن هذه المُكوِّنات سَيُخفِّف الألم. ومع ذَلِك، فإنّ ما قد يَكون له بعض التّأثير، هو دهان مُضادّ الهيستامين، والّذي يُمكِن أنْ يُساعِد في مَنْع المَزيد مِن الالتهاب. [2]

سموم النمل

بالنّسبةِ إلى النّمل، يَحتوي سُمّ بعض النّمل على القليل جدًّا مِن البروتين، والمُحتوَى الببتيديّ، ويَتكوَّن بدلًا مِن ذَلِك مِن مُركَّباتٍ أصغر. مِثال ذلك النّملة النّاريّة. يَتكوَّن سُمّ النّمل النّاريّ مِن نحو 0.1% فقط مِن السُّمّ الجافّ، وتَتكوَّن الغالبيّة العُظمَى بدلًا مِن ذَلك مِن فئةٍ مِن المُركَّبات تُسمَّى القلويدات (بالإنجليزيَّة: Alkaloids)، هذه القلويدات سامّةٌ للخلايا وتُؤدِّي إلى حرقانٍ. على الرَّغم مِن أنّ مُحتوَى البروتين أقلّ بكثيرٍ من النّحل، والدّبابير، والزّنابير، إلّا أنَّه يُمكِن أنْ يُسبِّب تفاعُلات الحساسيّة المُفرِطة.

النّمل الآخر لا يَلدَغ، ولَكنْ يُمكنه بدلًا مِن ذَلك أن يَرُشّ سُمومه، الّتي مِن بيْن العديد مِن مُكوِّناتها الرّئيسيّة  حمض الفورميك. هذا يَقودُنا إلى تفاعُلٍ كيميائيٍّ يَستحِقّ الحديث عَنه. فعلى الرّغم من خطورة سمّ النّمل النّاريّ، يبدو أنّ له نَظيرٌ عند نوعٍ آخر من النّمل يُدعى النّملة المجنونة. كِلا النّوعين المُتحاربَين من النّمل يستخدمان سمومَهما في الصّراع، لكنّ النّملة المجنونة تستخدِم الكيمياء للحصول على مَيزةٍ واضحةٍ. إنّهم يقاومون سُمّيّة سمّ النّمل النّاريّ عن طريق تعطيل سمّيّته باستخدام سمّهم الخاصّ، والّذي يَعتمد على حمض الفورميك. لا يَزال الباحثون لا يَفهمون تمامًا كيفيّة حُدوث عمليّة تعطيل السُّمّ هذه، ولكنّهم يُشيرون إلى أنّها قد تكون ناتِجةً عن تحييد حمض الفورميك للإنزيمات الّتي تُقوّي فاعِليّة سمّ النّمل النّاريّ. [2]

سموم العناكب

أمّا بالنّسبة للعناكب، يمكن تقسيم سمومِها إلى فئتين عريضتين:

  • النّواخِر (بالإنجليزيَّة: Necrotic)،
  • والسُّمّيّة العصبيّة (بالإنجليزيَّة: Neurotoxic).

السّمّ النّاخر هو ذلك الّذي يسبّب تلف الخلايا والأنسجة إثر الإصابة بالسّمّ. يمكن أن يؤدّي ذلك إلى ظهور الالتهابات والجروح والبُثور. السّموم العصبيّة، من ناحيةٍ أخرى، تمارس آثارها على الجهاز العصبيّ، وتتداخل مع الإشارات الخاصّة بالخلايا العصبيّة. في الحالات القُصوى، يمكن أنْ يؤدّي هذا إلى توقُّف التّنفُّس والسَّكتة القلبيّة. لاحِظ أنّ بعض السّموم العنكبوتيّة يمكن أنْ تحتويَ على مكوّناتٍ نَخريّةٍ وعصبيّةٍ معًا. [3]

مكونات سموم العناكب

عندما يتعلّق الأمر بمكوِّنات السُّمّ نفسها، غالبًا ما تُجمّع في فئاتٍ وفقًا لأوزانها الجُزيئيّة:

  • مُرَكّبات الوزن الجُزيئيّ الصّغير.
  • والببتيدات.
  • والبروتينات.

تتكوّن المُركبّات ذات الوزن الجزيئيّ الصّغير من الأملاح والكَربوهيدرات والمركبّات العُضويّة الصّغيرة مثل الأمينات والأحماض وأسيتيل متعدِّدة الأمينات. يُعتقد أنّ أيونات البوتاسيوم في الأملاح قد تساعد الأجزاء السّامّة من السّمّ في الوصول إلى أهدافها الجزيئيّة في الضّحايا. يمكن أنْ تؤثّر تركيزات أيونات البوتاسيوم العالية أيضًا على الإشارات بين الخلايا العصبيّة في الجهاز العصبيّ للحشرات.

الببتيدات هي المكوّن الرّئيسيّ في معْظم السّموم العنكبوتيّة. في المتوسّط، يُعتقد أنّها تشكِّل نحو 25% من حيث الوزن، وقد أظهرت التّحاليل أنّ بعض السّموم يمكن أنْ تحتوي على ما يصل إلى 1000 ببتيدٍ مختلفٍ. يحتوي بعضها على الببتيدات الخطّيّة والخَلويّة الّتي لها تأثيراتٌ نخريّةٌ.

تَشتمل مكوّنات الوزن الجزيئيّ الكبير على إنزيماتٍ وبروتيناتٍ أكبر. تلعب الإنزيمات دورًا واضحًا في الهضم الخارجيّ لفريسة العنكبوت بمجرّد إصابتها، وقد استطاع الباحثون تحديد مجموعةٍ مُتنوّعةٍ من الإنزيمات المختلِفة المكوّنة لسمّ العنكبوت. [3]

عناكب اﻷرملة

تُعتبَر البروتينات ذات الوزن الجزيئيّ الكبير غير شائعةٍ، إلى حدٍّ ما، كمكوّناتٍ سامّةٍ للسّمّ. ومع ذلك، هناك استثناءٌ ملحوظٌ: أنواع عناكب الأرملة، والّتي تَشمل عنكبوت الأرملة السَّوداء. فيَحتوِي سمّ هذه اﻷنواع على سمومٍ تُسمّى لاتروتوكسيناتٍ (بالإنجليزيّة: Latrotoxins)، وقد كانت موضوعًا للعديد من الدّراسات. يرتبط أحد هذه السّموم، ألفا-لاتروتوكسين، بأطراف الأعصاب ويَسبّب إطلاقًا كثيفًا للنّاقلات العصبيّة في المَشَابك العصبيّة (بالإنجليزيّة: Synapses)، ممّا يُعيق انتقال الإشارات العصبيّة. يمكن أنْ تستمرّ آثار لدغة عنكبوت الأرملة السّوداء لمدّةٍ تصل إلى 5 أيّامٍ، على الرّغم من أنّها نادرًا ما تقتل. [3]

خيوط العناكب

خيوط العنكبوت هي أليافٌ بروتينيّةٌ تتكوّن كالعادة من أحماضٍ أمينيّةٍ أساسيّةٍ هي الألانين والجلايسين. والسيرين والبرولين مَوجودان أيضًا بكمّيّاتٍ كبيرةٍ في بعض أنواع الخيوط.
تَمنح المناطق الغنيّة بالجلايسين خيطَ العنكبوت مُرونته، حيث تُشَكّل مناطق غير متبلورةٍ في هيكله، ترتبط المناطق الغَنيّة بالألانين ببعضها البعض عن طريق الرّوابط الهيدروجينيّة لِتَشكيل المناطق البِلّوريّة الّتي تُعطِي خيط العنكبوت قوّته. [1]

 

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي