ما هي الذاكرة الكاذبة؟

كلُّ ذكرى لديك من أيّ وقتٍ مضى مليئةٌ بالأخطاء. وذلك يجعلني أبلغُ لدرجةِ القولِ بأنّ الذاكرة عبارةٌ عن وهمٍ إلى حد كبير. هذا لأنّ إدراكنا للعالم غيرُ كامل تمامًا، وعُقولنا لا تهتمُّ إلا بتذكُّر قطعةٍ صغيرةٍ ممّا نشهده بالفعل، وفي كلِّ مرةٍ نتذكَّر فيها شيئًا ما، تكون لدينا القدرةُ على تغيير الذّكرى التي نتوصل إليها. [1]

ما هي الذّاكرة الكاذبة؟

تُعَدّ الذاكرة الكاذبة أو الزّائفة (بالإنجليزيَّة: False memory) ذكريات مُلفقّة أو مشوّهة لحدثٍ ما. وقد تكون هذه الذّكريات خاطئةَ تمامًا وخياليّة. وفي حالاتٍ أُخرى، قد تحتوي تلك الذّكرياتُ على عناصرَ حقيقيّةٍ شُوِّهت من خلال تداخلِ المعلوماتِ أو تشوّهاتِ الذّاكرةِ الأُخرى.

وفي مُعظمِ الأحيان، تكون هذه الذّكريات الزّائفة ليْست ذاتَ أهمّيّة إلى حدٍ ما، على سبيل المثال: تذكّر أنّك أحضرتَ مفاتيحَ المنزلِ وعلّقتها في المطبخ، في حين تركتها -في الواقع- في السّيارة. وفي حالات أُخرى، يمكن أن تكون للذّكريات الزّائفة آثارٌ خطيرة، على سبيل المثال: الاعتقاد الخاطئ بأنَّك أو أحدًا ما تعرّض للاعتداء الجنسيّ في مرحلة الطفولة.

وقدْ وجد الباحثون أنَّ الذكريات الزائفة هي أحد الأسباب الرئيسيّة للإدانات الخاطئة، تحدُث عادةً من خلال التعرّفِ الخاطئ على المُشتبه فيه أو استرجاعِ ذكرياتٍ خاطئة أثناءَ استجوابِ الشّرطة. [2]

ما الفرق بينها وبين ضعف الذّاكرة؟

تختلفُ الذّاكرة الكاذبة عن ضعف الذّاكرة العادية. في حين أننا قد نكون جميعنا عُرضةً للخطأ في التذكُّر، ولكنْ تكون الذّاكرة الكاذبة أكثرَ من خطأ في الذّكريات، بل تشتمل على مستوى من اليقين في صحّة الذكريات أيضًا.

يحدث للجميع ضعفٌ في الذاكرة من وقتٍ إلى آخر، ولكن الذّاكرة الكاذبة تكونُ فريدةً من نوعها من حيث أنها تُمَثِّل ذكريات مُمَيَّزة لشيء لمْ يحدث بالفعل. ولا يتعلّق الأمر بنسيانِ أو خلطِ تفاصيلِ الأشياء التي مرَّرنا بها؛ بل يتعلَّق الأمر بتذكُّر الأشياء التي لمْ نشهدها منْ قبل في المقامِ الأول. [3]

ما الذي يُسبِّب الذّاكرة الكاذبة؟

الذّكريات معقدةٌ. قد تتخيّل الذّكرى كعنصرٍ ثابتٍ، ولكنَّ الحقيقةَ هي أنَّ الذكريات عُرضةٌ للتغيير ومرنة، وغيْر موثوقةٍ في كثيرٍ من الأحيان.

تُنقل الأحداث من ذاكرةِ دماغك المؤقّتة إلى التّخزين الدّائم أثناء النّوم. ومع ذلك، فإنَّ الانتقال ليسَ مُطلقًا. قد تُفقد عناصر الذاكرة في هذه العمليّة. وحينها  يُمكن أن تبدأ ولادة الذّكريات الزّائفة.

تُنشَأ الذّكريات الزّائفة بعِدّة طرق. يؤثّر كلٌُ من هذه المتغيّرات على التغييرات في الذّاكرة أو كيفية تخزينها.

قدْ يكونُ من الصعبِ معرفةُ أيٍّ من هذه المشاكل تسببَّت في ذكرياتك الزّائفة، ولكن معرفتك بالأسباب يمكن أنْ تُساعدك في النهاية على فهم سبب شيوع الذّكريات الزّائفة. [3]

1-التحْريضُ والحث

الاستدلال هُو قوةٌ قوية. يُمكنُك إنشاءُ ذكرياتٍ زائفةٍ جديدة بمجردِ حث شخصٍ آخرٍ لك لتذكُّر شيءٍ مُعين أو مِن خلالِ الأسئلة التي يطرحُونها لكَ أثناءَ سردِ الذكرى.

على سبيلِ المثال: قدْ يسألُكَ شخصٌ مَا إذا كان سارقُ البنكِ يرتدي قناعًا أحمرًا. تقول: نعم، ثُمَّ تُصحح لنفسك بسرعةٍ لتقول: أنهُ كانَ أسود. ولكنْ في الواقع، لمْ يَكُن السّارق يرتدي قناعًا، ولكنْ بسببِ تحريضهم زرعوا داخلك ذكرى لمْ تَكُن حقيقيّة

2- التّضْليل

يُمكِن أنْ تتغذى على معلوماتٍ غيرِ صحيحةٍ أو خاطئة حول حدثٍ ما وتقتنعُ بأنّه حدثٌ بالفعل. كما يُمكنك إنشاءُ ذكرى جديدة أو دمجُ الذكَّريات الحقيقيّة مع الذكَّريات الاصطناعيّة التي تلقّيتها مِن الآخرين.

3- الإدراك غيرُ الدّقيق

إنَّ دماغَك مثلُ الكمبيوتر، يُخزِّن مَا تُعطيه له. إذَا أعطيْته معلوماتٍ سيئة، فإنَّه يُخزِّنها كمعلوماتٍ سيئة. ويتمُّ سدُّ الثّغرات التي تركْتها في قصتك لاحقًا بذكرياتٍ كاذبة -التي تقوم بخلقها-.

4- الاسترجاعُ الخاطئ

يُمكنك دمجُ عناصرِ الأحداثِ المختلفة في عنصرٍ واحد في ذاكرَتك، عندما تتذكرُ الذكرى، فأنت تتذكَّر الأحداثَ التي حدثت. لكنْ إذا كانَ الخطُ الزّمنيُّ مُختلطًا أو مشوشًا مع مجموعةٍ متنوعةٍ من الأحداث، فقدْ تتحول إلى موقفٍ واحدٍ في عقلك.

5- العواطف

قدْ يكون لمشاعرك في لحظةٍِ معينةٍ تأثيرٌ كبيرٌ على كيفيّة وماهية ما يتمُّ تخزينه كذاكرة. كما تُشير الأبحاثُ الحديثة إلى أنَّ المشاعرَ السلبيَّة تُؤدِّي إلى ذكرياتٍ خاطئة أكثرَ من المشاعرِ الإيجابية أو المُحايدة.

مَنْ الذي مِن المُرجِّح أن يُصاب بهذه المُتلازمة؟

تُعتبر الذكرياتُ شيءٌ غيرُ دائم، وكما قلنا سابقًا أنَّ الذكرياتَ مرنةٌ وقابلةٌ للتغيير. وكلنا مُعرَّضون لتكوين ذِكرياتٍ مُزيّفة. ولكنْ هناك بعضُ الأشخاصِ أو الأحداثِ التي تجعلُك أكثرَ احتماليّةٍ لتكوينِ ذكرياتٍ كاذبة، مثل: [3]

الشّاهدُ العيَان

إذا شاهدتَ جريمةً أو حادثًا، فإنَّ شهادَتك مُهمة؛ لكنَّها ليست قاطعة. وذلك لأنَّ الخُبراءَ والمسؤولين عن تطبيقِ القانون يعرفون أنَّ الذكريات يُمكن أنْ تتغير، سواءً من خلالِ الاستجواب أو مع مُرورِ الوقت.

الصّدمة

تُشيرُ الأبحاثُ إلى أنَّ الأشخاصَ الذين لديهم تاريخٌ من الصدمةِ أو الاكتئابِ أو التّوتّر قد يكونون أكثرَ عُرضةً لإنتاجِ ذكرياتٍ زائفة.

المصابون بالوسواسِ القهريّ

قدْ يُعاني الأفرادُ المصابون باضطرابِ الوسواسِ القهريّ (يُختصر بالإنجليزيَّة: OCD) مِن نقصٍ أو قلةِ الثقة في الذاكرة. ولذلك يكونون أكثرَ عُرضةً لخلقِ ذكرياتٍ زائفة؛ لأنهم لا يثقون في ذكرياتهمِ الخاصة.

الشّيخُوخة

نظرًا لأنّك والذّاكرة تتقدمون في العمرِ على حدٍ سواء، قد تُفقدُ التّفاصيلُ المُتعلّقة بتلك الذكرى. ويُصبح جوهرُ الذكرى أقوى، بينما تتلاشى التفاصيل.

على سبيل المثال: قدْ تتذكر أنَّك ذهبتَ إلى الشاطئ في شهرِ عسلك، لكنَّك لا تتذكرُ اسمَ الفندق، أو كيفَ كان الطقس، أو حتى المدينة التي بقيتَ فيها.

ماذا يُمكنك أنْ تفعل حيال الذكَّريات الكاذبة؟

مِن خلالِ ما ذُكِر يتضح أنَّ الجوابُ أو العلاجُ الوحيد للذكرياتِ الزّائفة هُو دليلٌ مستقل، يدعم أو يدحض ذكرياتك.

نعم، قدْ تبدو الذكرياتُ الزائفة حقيقيةً جدًا وحتى عاطفيةً للغاية. ولكنْ ثقتك بهم هي التي تجعلهم يبْدون أكثرَ واقعيّة، لكنَّها لا تضمنُ صحتها.

ولكن؛ يجب ألّا تنسى أنَّ وجودَ ذكرياتٍ زائفةٍ لا يعني أنَّ ذاكرتَكَ سيئة أو أنَّك تَمرُّ بنوعٍ من تطوّرِ اضطراباتِ الذاكرة، مثل: الخرف أو مرض الزهايمر.

باختصار، الذّكرياتُ الزّائفة، هيَ عنصرٌ في كونكَ إنسانًا طبيعيًّا. [3]

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي