دائمًا ما تفرض خطط تطوير المدن القائمة نفسها على الساحة عندما تزيد الكثافة السكانية عن قدرة استيعاب المدن، فتتجه حينها الأنظار نحو أطراف المدينة لإقامة ضواحي جديدة هناك. قد يبدو هذا الحل منطقيًا ينادي به الكثيرون بهدف الاستفادة من المساحات غير المستغلة من أراضي الدولة، لكن دائمًا ما يتم إهمال بعض النقاط التي تؤثر في حياة السكان وقد تدفعهم إلى رفض خطط التنمية الجديدة. نستعرض في هذا المقال إحدى المشكلات التي تُهدِّد المجتمعات العمرانية الجديدة.
يتطلَّب الانتقال إلى المدن الجديدة العديد من النفقات، مثل تكلفة البناء ونقل الأثاث والتي تُمثِّل عائقًا ماليًا أمام الطبقة الفقيرة من المجتمع، فبشكلٍ تلقائي تتجه الطبقة الأكثر ثراءً نحو السكن في المدن الجديدة، حيث أن المنتمين لهذه الشريحة هم الأقدر على تدبير هذه النفقات، تاركين خلفهم وحداتهم السكنية الواقعة في وسط المدينة إلى الفئات التي لا تمتلك نفقات الانتقال نحو أطراف المدينة. الأمر يختلف بشكلٍ يسير مع الطبقة المتوسطة، لكنه يؤدي في النهاية إلى نفس النتائج، فهذه الطبقة قد تتمكن من الانتقال إلى المدن الجديدة، ولكنها تعتمد بشكل أساسي على وسائل المواصلات العامة، والتي لا توفرها الدولة بسهولة في بداية تكوين المجتمعات العمرانية الجديدة. ونظرًا لارتباط أعمالهم بالجزء القديم من المدينة بشكلٍ يومي، وصعوبة الانتقال بثمنٍ زهيد، والوقت الضائع في الانتقالات يوميًا، ينتهي الأمر بهذه الأسر إلى العودة إلى الوحدات السكنية القديمة.
بتكرار هذا الأمر على مدى ليس ببعيد، نجد أنه قد تتكوَّن لدينا بؤرة فقيرة وسط المدينة، وبؤرة أخرى تمتاز بالثراء تقبع على أطراف المدينة. الحركة التجارية في وسط المدينة قد تتأثر بشكلٍ كبير، وذلك نتيجة ظهور المراكز التجارية الكبيرة على أطراف المدينة، والتي تقلل من فرص احتكاك أصحاب المال بالطبقات ذات الأعمال الحرة. سوء الأحوال الاقتصادية للغالبية العظمى من السكان في وسط المدينة يؤدي إلى تفاقم الأزمات المالية والاجتماعية، وظهور المشاكل الأمنية والبيئية بسبب عدم قدرة السكان على تغطية نفقات الخدمات المُقدَّمة لهم، والتي تعتمد الدولة على تغطية هذه النفقات من خلال تحصيل رسوم الخدمات عن طريق المجالس المحلية والضرائب.
هنا نجد أنفسنا أمام أحد احتمالين، الأول أن تظهر مشكلة جديدة، وهي انتقال الأسر من وسط المدينة لإقامة تجمعات محيطة بالضاحية الجديدة، هذه التجمعات دائمًا ما تتسم بالعشوائية وسوء الخدمات بسبب عدم القدرة على التمويل بشكلٍ كافِ. ويكون الهدف منها مُختزلًا في السكن بالقرب من الضاحية الجديدة لسهولة الانتقال للأعمال اليومية هناك. ومع الوقت تطغى الفوضى على المدينة الجديدة.
الاحتمال الثاني وهو الأكثر شيوعًا إلى حدٍ كبير، هو زحف السكان من دون زحفٍ موازي للخدمات والمصالح الحكومية، فدائمًا ما تتبع الحكومات نهجًا خاطئًا، وهو الجعل من المجتمعات العمرانية الجديدة عنصرًا تابعًا بشكلٍ أو بآخر للمدينة القديمة، بسبب مركزية الخدمات ومراكز الأعمال من شركات وبنوك وغيره. قد تجد فروعًا للبنوك والشركات المنتمية للقطاع الخاص ولكن مركزية الخدمات الحكومية تضطرك بشكلٍ أو بآخر إلى استكمال بعض الإجراءات من وسط المدينة. هذه المشكلة مع تكرارها بشكلٍ دائم تدفع سكان المدن الجديدة إلى هجر وحداتهم الجديدة واللجوء إلى السكن مرةً أخرى في وسط المدينة.
التوجه نحو التوسع في العمران خارج حدود المدن بالتأكيد خطوة إيجابية على الطريق الصحيح لحل مشكلات المدن القائمة من تكدس مروري وازدحام سكاني وضغط مرتفع على الخدمات، ومن شأن هذا التوسع أن يخلق حركةً جديدة ورواجًا في مجال الإنشاء والتعمير من شأنه أن يضخ أموالًا جديدة في سوق الاستثمارات العقارية وتُسهم في إنعاش الحركة الاقتصادية، ولكن إذا لم يكن هذا التوسع مبني على دراساتٍ أكاديمية قد نتفاجأ بمشكلاتٍ تظهر على الساحة قد تجعل من هذه المشروعات القومية استنزافًا لثروات الدولة دون أدنى فائدة تنعكس على المجتمع.
الانتقال نحو أطراف المدن أمرٌ لابد منه كمخرجٍ لمواجهة الزيادة السكانية المُتسارعة، لكن لابد من التخلي عن مركزية خدمات الدولة وانحصار مراكز الأعمال في وسط المدينة، ودراسة الأحوال المعيشية للسكان ومصادر دخلهم في المدن الجديدة، ومراعاة انتقال طبقات المجتمع كاملةً حتى لا تحدث فجوة بين الطبقات المتباينة من شأنها إحداث توتر مجتمعي. خطوةٌ كهذه تستوجب إعادة تقييم الخطة القومية للدولة، وتحديد الموارد المتوافرة وإمكانية تأسيس مجتمعات عمرانية حولها، مع محاكاة مُسبقة لسلوكيات السكان لاكتشاف الأخطاء وإيجاد الحلول لها قبل ظهورها على الساحة، ودراسة متأنية لاقتصاديات المجتمع.
____
إعداد وتصميم: Diaa Aldein
مراجعة علمية: Mahmoud Mohamed Ouf
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
المصدر: http://goo.gl/3EHTmh
#الباحثون_المصريون