# سلسلة_ مقالات_ اضطرابات_ الشخصية
المقال (8) – القائمة – نهاية المقال
اضطراب الشخصية الفصامية (ذات النمط الفصامي) — Schizotypal Personality Disorder STPD
تقدر الإحصائيات أن نسبة انتشار الاضطراب تقارب (4%) من السكان، مع اتجاه لتطور الأعراض بشكل ثابت بمرور العمر. يجدر بنا التأكيد، على أن ما يقارب نصف (50%) عدد المصابين به، يصابون أيضًا بالاكتئاب. وتلفت الدراسات أنه بالرغم من كونه مرتبطًا وراثياً بالفصام، إلا أن نسبة ضئيلة فقط من مجمل الإصابات قد تتطور لاحقًا إلى مرض الفصام العقلي أو أحد أمراض الذهان. كما تؤكد الأرقام، ميل الكم العددي للإصابات إلى ناحية الذكور بشكل أكبر من الإناث.
وكنا قد بحثنا في مقال سابق في هذه السلسلة، مرض الشيزوفرانيا (الفصام)، “ما هو مرض الشيزوفرينيا؟”، في الجزئين (1 و 2).
اضطراب الشخصية: يعرف بأنه نمط ثابت لمدة طويلة في الخبرات الداخلية والسلوك المنحرف عن المعايير المقبولة في ثقافة الفرد. وقد يتم رصد ظهوره في مرحلة البلوغ المبكر أو المراهقة. يتميز هذا النمط بكونه غير مرن وسائد في مساحات واسعة من المواقف الشخصية والاجتماعية. ويشاهد في قطاعين أو أكثر من القطاعات التالية؛ الإدراك، والمعرفة، والوجدان، والأداء التفاعلي مع الآخرين، والتحكم في الانفعال..
حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للصحة النفسية – DSM، يقع اضطراب الشخصية الفصامية في المجموعة “أ”. حيث تمتاز الشخصيات بغرابة الأطوار والتفرد والخروج عن المألوف. وتشمل المجموعة كلًا من:
- اضطراب الشخصية الانعزالية الفصامية – Schizoid PD
- اضطراب الشخصية الارتيابية – Paranoid PD
- اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي – Schizotypal PD
اضطراب الشخصية الفصامية “طيف الفصام”
يدعى اضطراب الشخصية الفصامية أو اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي لدى بعض المختصين بـ “طيف الفصام”؛ حيث يتشابه مع مرض الفصام، إلا أنه أقل حدة. كما أنه يتشابه مع اضطراب الشخصية الانعزالية الفصامية، إلا أنه أكثر تطرفًا.
من الأخطاء الشائعة لدى العامة، خلط اضطراب الشخصية الفصامية مع مرض الفصام (الشيزوفرينيا) وهو مرض عقلي حاد يفقد المصاب به الاتصال مع الواقع (الذهان)، لذا فمن المهم هنا، رصد نوعين من الفروق الرئيسة بينهما.
- بالرغم من كون المصاب باضطراب الشخصية الفصامية يواجه أحيانًا نوبات ذهانية مترافقة مع الأوهام أو الهلوسة، إلا أن هذه النوبات قصيرة خفيفة وقليلة، وليست طويلة الأمد ولا شديدة العنف ولا كثيرة التكرار، كما هو الحال في مرض الفصام.
- يمكن النجاح في إيصال المصاب باضطراب الشخصية الفصامية إلى تمييز التباينات بين أفكاره المشوهة وبين الواقع، على عكس الحال في مرض الفصام.
أعراض ومضاعفات اضطراب الشخصية الفصامية
يتصف هذا الاضطراب بنمط من العجز على الصعيدين الاجتماعي والشخصي. حالة حادة من القلق المجتمعي، ينتج عنها صعوبة اندماج المصاب حتى مع المقربين مع انعدام الأصدقاء المؤتمنين.
يمتاز هذا الاضطراب بتباين القدرات على الفهم والإدراك. يبدو المصاب شاذًا في التفكير والكلام والسلوك، فيختص نفسه بفلسفة غير مألوفة أو أفكار مرجعية من صنعه.. كما تستغرقه الخرافات والخوارق لما وراء الطبيعة، والتي-غالبًا- ما تكون غير متناغمة مع الثقافة الفرعية السائدة.
تبدو الأعراض جلية في مجموعة متنوعة من المسارات.. نذكر سبعة منها، فيما يلي:
- عزلة اجتماعية: قلة الأصدقاء والأشخاص المؤتمنين، عدا أقارب الدرجة الأولى. فالقلق الاجتماعي، مفرط غير متناقص حتى مع الألفة، بسبب سيادة الشكوك الارتيابية في وفاء الآخرين، وليس السبب أن القلق كان حكمًا سلبيًا على الذات.
- أفكار مرجعية (باستثناء الأوهام المرجعية): تصور مضخم للأحداث البسيطة على أنها شديدة الأهمية لذاته، فكل أمر في العالم مرتبط بقدره النهائي حكمًا.
- معتقدات شاذة عن المألوف، ومؤثرة في السلوك: مثلًا: الاعتقاد بالقوى الخارقة كالاستبصار والتخاطر والحاسة السادسة والأوهام الغريبة، خاصة لدى الأطفال والمراهقين.
- تجارب إدراكية غير عادية: عالمه الداخلي يشبه عالم الأطفال فهو مليء بالأصدقاء الخياليين ولديه الكثير من المخاوف والتخيلات بالإضافة إلى الأوهام الجسدية. مثلًا، تصور فقد أحد الأعضاء، وحضور شخص ميت.
- قصور في الانفعالات العاطفية: فتبدو المشاعر مقيدة أو غير لائقة.
- طرق غريبة من التفكير والكلام: مثلًا: الحديث مبهم، مشتت، مجازي، مستفيض.
- نوع منفرد أو عجيب من المظهر أو السلوك: مثلًا، شعر أشعث، ملابس غير متناسقة.
من أهم المضاعفات التي يرزح المصاب باضطراب الشخصية الفصامية تحت طائلة خطرها المحدق:
- الاكتئاب
- القلق
- محاولات الانتحار
- الفصام (الشيزوفرانيا)
أسباب اضطراب الشخصية الفصامية
تتملك الحيرة الباحثين عن العوامل المسببة لاضطراب الشخصية الفصامية، بسبب وجود مجموعة من النظريات المختلفة ذات الشأن في أسباب الإصابة به.
كما في الكثير من اضطرابات الشخصية، يرجح العلماء أهمية [tooltip text=”النموذج البيولوجي النفسي-الاجتماعي للسببية” gravity=”n”] BPS-Biopsychosocial Model of Causation[/tooltip]: حيث يغطي هذا النموذج منظومة معقدة من العوامل الأساسية ذات الطبيعة المتشابكة. فيؤكد- دون استثناء- على أهمية كل العوامل سواء؛ البيولوجية الجينية (الناحية الوراثية)، والاجتماعية (التآثر التفاعلي في بداية تطور الشخصية مع العائلة والأطفال المحيطين والأصدقاء)، والنفسية (تكيف الشخصية والمزاج تبعًا للبيئة مع تعلم آليات المواجهة للتغلب على التحديات).
من المهم تبيان أن كون هذا الاضطراب طيف من مرض الفصام متشعب التفرعات، هو أمر يزيد المسألة تعقيدًا. حيث يبدأ الأمر من تفاعل متشابك بين الجينات القابلة للإصابة والتأثيرات البيئية، مما ينتج عنه تبدلات في درجة اللدونة العصبية والتي تنعكس في صورة خلل وظيفي في منظومة النواقل العصبية والأداء الدماغي. كما تعكس البحوث خطر عامل الوراثة، بمعنى ارتفاع احتمال “تمرير” الاضطراب من المصاب إلى أطفاله.
تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية
للأسف، يتم تشخيص اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي في غالب الأحيان بالصدفة. يحدث هذا عندما يطلب المصاب معالجته من الاكتئاب والقلق المصاحب له، لا من سمات الاضطراب ذاته. من المهم، التأكيد أن هذه سجيَّةٌ نوعيَّةٌ سمة للكثير من المصابين باضطرابات الشخصية.. فهم- في الغالب- لا يلجؤون لطلب المساعدة، إلا بعد تصطدع علاقاتهم الحياتية المهمة ووصولهم إلى حالة من خور القوى النفسية بعد استنفاذهم لكامل الوسائل المتاحة.
علاج اضطراب الشخصية الفصامية
بالرغم من الاختلاف بين مرض الفصام واضطراب الشخصية الفصامية، إلا أنه يمكن للمصاب بالشخصية الفصامية الاستفادة من نفس العلاجات الموصوفة للفصام.
تقليديًا، يتأسس برنامج العلاج لاضطراب الشخصية الفصامية، على العلاج النفسي طويل الأمد بواسطة المعالج النفسي المتمرس في هذا النوع من الاضطرابات. قد تندرج العقاقير ضمن البرنامج، لمساندة المصاب تجاه بعض الأعراض المزعجة والمنهكة للقوى.
الدعم والتأقلم
يرجح الخبراء اثنين من العوامل المساعدة على تخفيف أعراض هذا الاضطراب، وهما:
- علاقات إيجابية: مع العائلة والأصدقاء.
- شعور بالإنجاز: في المدرسة والعمل والأنشطة اللامنهجية.
من المشاهير
كان لهذا الاضطراب حصة في الفن والسينما العالميين، فمن المشاهير يصنف الرسام”فان جوخ” كأحد أبرز المصابين به. ولقد أبدع الممثل روبرت دي نيرو في تجسيده هذا الاضطراب، في فيلم سائق التاكسي (Taxi Driver).
باختصار وكيلا نفسد متعة المشاهدة لمن يريد: تبدو شخصية البطل الذي تحول إلى سائق التاكسي بعد عودته كمقاتل في فيتنام، مرهفة المشاعر.. إلا أن عدم التوازن العقلي لديه، جعل التنبؤ بتصرفاته أمرًا شاقًا لذلك فقد فشل في علاقاته وقام بالانجراف إلى مسارات الهوس والتعصب والعنف.
ختامًا، نبلغ هنا عتبة الأنباء السارة، فقد تم أحيانًا تسجيل تحسن الأعراض لدى المصابين عبر الزمن.. وهذه ركيزة مهمة للثقة بالنفس، وهي بدورها تغدو عاملًا مساندًا للشخص المصاب في التغلب على المصاعب التي يواجهها من جهة، وفي حصوله على الدعم الاجتماعي من جهة أخرى.
[divider]
إعداد: ريما رباح
مراجعة علمية: إسلام سامي
[divider]
المصادر:
One Response