تأخذ جي كي رولينج (بالإنجليزيَّة: J.K. Rowling) قرائها إلى عالمها السحري حيث يعيشون مع أبطالها مشكلات تبدو في ظاهرها خاصة بعالم هوجوورتس (بالإنجليزيّة: Hogwarts) الخيالي، ولكنها في الحقيقة مشاكل ماثلة في العالم الحقيقي اختارت أن تضعها في مدرسة هوجوورتس للسحر، كهيئة مُصَغّرة عن العالم. وتظهر على صفحات سلسلة هاري بوتر تصنيفات عرقيّة مثل أصحاب «الدم النقي» وأصحاب «الدم الموحل» و«العامة» كما نرى تعرض من لا يمتلكون أصولًا سحريّة للعنصريّة.
على جانب آخر، تثمن الكاتبة قيمتيّ التسامح والمساواة بين الجميع من خلال آراء شخصياتها الرئيسية في الرواية المتمثلة في هاري بوتر وأصدقائه، إلى جانب بعض الشخصيات الأخرى مثل البروفيسور دامبلدور (بالإنجليزيَّة: Dumbledore) وبعض معلمي هوجوورتس. وتنتصر في عالم رولينج السحري قيم المساواة والصداقة والحب ضد العنصريّة والكراهية والقتل.
فكيف تحاول سلسلة هاري بوتر السحرية تأكيد قيمتيّ التسامح والمساواة؟ هذا ما نلقي عليه الضوء في موضوعنا.
الأعراق المختلفة في سلسلة هاري بوتر
استطاعت رولينغ في روايتها ذات الأجزاء السبعة أن تبني لنا مجتمعًا متعدد الأعراق لايقتصر الاختلاف فيه على تقسيم المجتمع لعرقيّ لقسمين وهما العامة (بالإنجليزيَّة: Muggle) والسحرة. ونرى للتقسيم العرقي مستويات أخرى داخل عالم السحرة أنفسهم. فهناك من يخلقون تفرقة بين «أصحاب الدم النقي»: وهم من ينتمون إلى عائلات سحريّة، و «أصحاب الدم المختلط» والذين يكون أحد والديهم من السحرة، و «أصحاب الدم الموحل»: وهم الذين لا يمتلكون أي قرابات مع سحرة. [1]
ظهر التمييز بين أعراق السحرة للمرة الأولى على يد سلازار سليذرين (بالإنجليزيَّة: Salazar Slytherin) أحد المؤسسين لمدرسة هوجوورتس، لذا كانت معظم الشخصيات المنتميّة لمنزل سيلذرين يمتلكون نزعة عنصريّة.
«سعى سيلذرين لأن يكون أكثر انتقائيّة في اختيار التلاميذ المقبولين بهوجوورتس. فكان يعتقد أن تعلّم السحر يجب أن يبقى قاصرًا على عائلات السحرة فقط. وكَرِهَ استقدام الطلبة من والدين ينتمون للعامة، معتقدًا أنهم ليسوا من ذوي الثقة. وتسبب هذا الأمر في مشكلات كبيرة بين جريفندور وسيلذرين ثم غادر سيلذرين المدرسة.»
هاري بوتر وحجرة الأسرار
وتتعدد بداخل العالم السحري الكائنات غير الآدمية مثل العمالقة كهاجريد، وأقزام المنازل مثل دوبي وكريتشر وكذلك المستذئبين كـ (ريموس لوبين). وتعرضت الكاتبة لهذه الكائنات ومكانتها في المجتمع السحري، ولكنها لم تركز عليها بشكل كبير.
السلوك العنصري يشمل الجميع
«لم يطلب أحد منكِ التدخل في الأمر يا صاحبة الدم المُوحِل»
دراكو مالفوي لهيرمويني جرينجر- هاري بوتر وحجرة الأسرار
تبرز رولينغ في روايتها المعاملة السيئة والعنصريّة التي يتعرض لها السحرة ممن ليست لديهم أصول تابعة للعالم السحري. وكمثال تكرر في جميع روايات رولينغ كانت هيرمويني ،أحد الشخصيات الرئيسية للسلسلة، تتلقى كثيرًا من التعليقات العنصرية، خاصة من زميلهم في سيلذرين دراكو مالفوي. ولكن رغم ما يراه بعض السحرة من امتياز لأصحاب «الدم النقي»، فمعظم الشخصيات لم تكن تهتم بأمر نقاء الدم بشكل كبير، إلا عند صعود فولدمورت وتزايد قوته. ويفسر بعض النقاد والباحثين هذا التصنيف العنصري في العالم السحري على أنه يرمز للتمييز العنصري الذي مارسه النظام النازي ضد كل من يختلف في العرق.
وتُظهر رولينج من خلال رواياتها إمكانية تعرض جميع الكائنات والأشخاص للعنصرية. وعلى سبيل المثال فلوسيوس مالفوي الذي أساء معاملة القزم المنزلي دوبي تعرّض هو بدوره للإساءة من قِبَلِ فولدمورت عندما أمتلك زمام السلطة في العالم السحري. يتماشى هذا الطرح مع هدف رولينج من روايتها وهو إظهار وجود التعصّب في كل مكان وأن لا يوجد أحدًا بمنأى عنه؛ غير أن التسامح والتقبل لكل الثقافات الأخرى هو ما يمكن أن يخفف من حدته أو يزيله نهائيًّا. [2]
الانتصار للتسامح والمساواة
«نحن أقوياء بوحدتنا، ضعفاء بتفرقنا. الاختلافات في العادات واللغات لا تعني شيئًا إذا كان هدفنا واحد وقلوبنا مشرعة أبوابها للجميع»
ألبوس دامبلدورـ هاري بوتر وكأس النار
في سلسلة هاري بوتر كان للتأكيد على قيمة المساواة بين الجميع رغم الاختلاف حضور طاغٍ. فبدءًا من اختيار الكاتبة لشخصية رئيسية ليست لها أصولًا من العالم السحري وهي هيرمويني جرينجر، وإثباتها المستمر لمهاراتها وانتمائها لهوجوورتس ومحاربتها لأجل قيم الخير. ومرورًا بدعوات دمبلدور المستمرة للنظر لأفعال الإنسان باعتبارها حقيقته لا أصله. وحتى النهاية التي شهدت انتصارًا للفريق الذي يحمل قيم المساواة بين الجميع وهدم لفكرة التفوق العرقي.
فهوجورتس مكان يسع الجميع، وفي مشهد النهاية للسلسلة نجد أسرة هاري وأسرة رون وهيرمويني يجمعهم رصيف القطار بأسرة مالفوي دون ظهور للسلوكيات العنصرية السابقة. لقد أصبح الكل يعيش جنبًا لجنب مع الآخر، فحتى إن كانت الأفكار مختلفة يحدث التقبل والتسامح لاختلافات الآخرين.
تأثير قراءة هاري بوتر على سلوك قرائها
وأجريت بعض الدراسات التي تحاول التوصل لتأثير قراءة سلسلة هاري بوتر على قرائها في غرس هذه القيم. فوفقًا لدراستين أُجريتا حديثًا على يد باحثين في مجال علم النفس التطبيقي بعنوان: «أعظم سحر لهاري بوتر: تقليل التحيز» طبقت الدراسة الأولى على تلاميذ من الصف الخامس الإبتدائي حيث قُسِموا إلى مجموعتين. وكانت المجموعة التي قرأت هاري بوتر ،خاصة رواية هاري بوتر وحجرة الأسرار التي تتعرض لقضية العنصريّة على لسان سلازار سليذرين ومالفوي، ومن أراد من المشاركين الاقتداء بسلوكيات البطل أظهروا مواقف جيدة تجاه المهاجرين.
وأُجريت الدراسة الثانية على طلاب بالجامعة. ووجدت أن الطلاب الذين رفضوا الارتباط بشخصية فولدمورت أظهروا تعاطفًا أكبر تجاه اللاجئين.
علاوةً على ذلك، فبعض الباحثين في مجال علم النفس والتربية يرون أن روايات هاري بوتر يمكن استخدامها في تدريس القيم الحميدة بقاعات الدراسة. فهي تعالج موضوعات العرق والقيم العليا من زاوية خيالية يمكنها أن تساعد في استبعاد الأحكام المسبقة والتحيز.
هذه النتائج تتفق وما جاء على لسان الكاتبة نفسها. حيثُ أعلنت رولينغ من قبل بصراحة أن أحد رسائلها من سلسلة هاري بوتر نشر التسامح مع الآخر «روايات هاري بوتر في مجملها جدلية طويلة عن التسامح ونداء يهدف لإنهاء التعصب».[3،4،5]
المصادر
- b963dd480f7f46c61e925fd403ce0106aa39.pdf [Internet]. [cited 2019 Dec 20]. Available from: https://pdfs.semanticscholar.org/d4ab/b963dd480f7f46c61e925fd403ce0106aa39.pdf?_ga=2.175963744.39744812.1576795384-1897470454.157679538
- b963dd480f7f46c61e925fd403ce0106aa39.pdf [Internet]. [cited 2019 Dec 20]. Available from: https://pdfs.semanticscholar.org/d4ab/b963dd480f7f46c61e925fd403ce0106aa39.pdf?_ga=2.175963744.39744812.1576795384-1897470454.1576795384
- Ohannessian K. “Harry Potter” books teach tolerance for others [Internet]. Tech Times. 2014 [cited 2019 Dec 20]. Available from: https://www.techtimes.com/articles/11758/20140731/harry-potter-psychology-study-tolerance.htm
- Hildingsson M. Using Harry Potter to Discuss Moral Values and Equality in the English Language Classroom. :34.
- Kolell D. Learning tolerance and empathy through the ‘Harry Potter’ series [Internet]. The Spectator. [cited 2019 Dec 20]. Available from: https://www.spectatornews.com/opinion/2016/11/learning-tolerance-and-empathy-through-the-harry-potter-series/
مراجعة علمية: ماريا عبدالمسيح/هبة خميس