التبعات الاقتصادية المتوقعة لحرب غزة

11

مع استمرار إسرائيل في حملتها العسكرية للقضاء على حماس في غزة، يظل مستقبل هذه الحرب يكتنفه الغموض، ولا أحد يستطيع أن يتكهّن ما إذا كان الصراع سيتوسع ويمتد إلى حرب إقليميةجديدة أم لا. وفي حالة حدوث ذلك فإن التداعيات الاقتصادية العالمية قد تتضمن صدمة نفطية على غرار ما حدث في السبعينيات، يصاحبها انهيار لأسواق الأسهم العالمية، مع احتمالية حدوث ركود عالمي شديد، وقد يصاحبه أيضًا تضخم مالي طويل الأمد.

تتدعي اسرائيل قيام حماس بقتل ما لا يقل عن 1400 إسرائيلي في السابع من أكتوبر، تبعتها قيام إسرائيل بشنّ حملة عسكرية على غزة للقضاء على جماعة حماس ومقاتليها للأبد، وهناك أربعة سيناريوهات جيوسياسية مطروحة توضح كيف سيتأثر الاقتصاد العالمي من تلك الحرب، وهي سيناريوهات متشائمة. فكما هو الحال في مثل هذه الصدامات والحروب، لا مجال للتفاؤل بأي شكل.

 

السيناريو الأول

يطرح السيناريو الأول فكرةَ أن تظل الحربُ محصورةً في غزة فقط، دون تصعيد إقليمي في المنطقة، اللهم إلا بعض المناوشات الصغيرة مع أنصار أو وكلاء دولة إيران. ولكنه لا يمتد للدول المجاورة لإسرائيل، مثل مصر أو الآردن أو لبنان، وبذلك تكون آثارُه الاقتصادية محصورةً على الحياة الاقتصادية في غزة وإسرائيل فقط. فعلى أرض الواقع، تفضل معظم الدول الآن تجنب التصعيد الإقليمي. وبما أن هدف جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة هو تقويض حماس فقط، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع حاد في عدد الضحايا المدنيين، وتظل الحالة الجيوسياسية غير المستقرة قائمة، دون أن تمتد للخارج. يلي ذلك قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتنحي عن المنصب بعد فقدانه لكافة الدعم السابق الذي كان يحظى به قبل الحرب، ومع ذلك سيظل الرأي العام في إسرائيل متشدد ضد قبول حل قيام الدولتين، وبناءً عليه سيستمر الخلاف الفلسطيني مع إسرائيل، وسيترتب عليه إيقاف عملية تطبيع المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إسرائيل، وستظل إيران قوة مؤثرة ومقلقة لعملية الاستقرار في المنطقة، وستستمر الولايات المتحدة في القلق من مخاوف اندلاع نفس الصراعات في المستقبل.

إن الآثار الاقتصادية والتجارية لهذا السيناريو خفيفة. وسوف ينحسر الارتفاع المتواضع الحالي في أسعار النفط، وذلك لأنه لن تكون هناك أي معوقات للإنتاج الإقليمي ولا للصادرات البترولية من منطقة الخليج. ورغم أن الولايات المتحدة قد تحاول اعتراض صادرات النفط الإيرانية لمعاقبتها على دورها المزعج والمزعزع للاستقرار في المنطقة، فمن غير المرجح أن تأخذ وتنفذ مثل هذا الإجراء التصعيدي ضد إيران. وغالبًا سيستمر الاقتصاد الإيراني في الركود في ظل العقوبات الحالية المفروض عليه، مما سيعمق اعتماده على علاقاته الوثيقة مع الصين وروسيا.

ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل سوف تعاني من ركود خطير ولكن يمكن التحكم فيه، وسوف تشهد أوروبا بعض التأثيرات السلبية مع تسبب الارتفاع المتواضع في أسعار النفط وحالة الريبة الناجمة عن الحرب في تقليص ثقة الشركات والشعوب. ومن خلال خفض الناتج، والإنفاق، وتشغيل العمالة، فإن هذا السيناريو قد يدفع الاقتصادات الأوروبية الراكدة حاليًا إلى ركود معتدل نسبيًا.

 

السيناريو الثاني

في السيناريو الثاني من المتوقع أن تتبع الحرب في غزة عملية تطبيع إقليمي وفتح قنوات سلام جديدة لم تكن متوقعة من قبل. وقد تنجح الحملة الإسرائيلية ضد حماس دون إحداث الكثير من الخسائر المدنية، يلي ذلك تولي قوى أكثر اعتدالًا لحكم غزة، مثل السلطة الفلسطينية أو تحالف عربي متعدد الجنسيات، إدارة القطاع. يترتب على ذلك قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بالاستقالة بعد فقدان دعم الجميع له، مع تولي زمام الحكم في اسرائيل من حكومة جديدة معتدلة من الوسط اليمين أو الوسط اليسار، تعمل على حل القضية الفلسطينية ومتابعة التطبيع مع المملكة العربية السعودية. هذه الحكومة ستعمل بتوجيهات عكس توجهات نتنياهو السابقة، بحيث لن تكون ملتزمة بتغيير النظام في إيران. ويمكنها تأمين قبول الجمهورية الإسلامية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية مقابل بدء محادثات جديدة نحو اتفاق نووي يتضمن رفع العقوبات عن إيران، ودخول العلاقات بين الدولتين في اتجاه جديدة ومختلف عن سابقه، ذلك الاتجاه الذي سيتيح لإيران التركيز على تنفيذ إصلاحات اقتصادية تساعدها بالنهوض من جديد. من الواضح أن هذا السيناريو سيكون له تأثير اقتصادي إيجابي على الجميع، وعلى الصعيدين الإقليمي والعالمي.

 

السيناريو الثالث

في السيناريو الثالث تتصاعد الأوضاع إلى نزاع إقليمي يشمل أيضًا حزب الله في لبنان، وربما قد يمتد لإيران، خاصة إذا كانت إيران تخشى عواقب القضاء على حماس، فقد تشن حزب الله هجمات ضد إسرائيل لتشتيت انتباهها عن العملية في غزة. أو تقرر إسرائيل التصدي لهذا الخطر من خلال شن ضربة وقائية أكبر على حزب الله. وقد يمتد الصراع ليشمل الجماعات الموالية لايران في سوريا والعراق واليمن، حيث أنهم حريصون على التحريض ضدّ إسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة كجزء من أجندتهم اليوميّة. وفي حالة دخول كل من إسرائيل وحزب الله في حرب شاملة، فإنّه من المحتمل أن تقوم إسرائيل بشنّ ضربات ضد المنشآت النوويّة الإيرانية، ومن المرجح أن يحظى هذا الهجوم بدعم لوجستي من الولايات المتحدة، مما سيؤدي في النهاية إلى تدمير إيران، التي كرّست موارد ضخمة لتسليح وتدريب كل من حماس وحزب الله.

فإذا قامت إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، بقصف إيران، فإن ذلك سيؤثر على إنتاج وتصدير النفط من منطقة الخليج وسيؤدي إلى تراجع حجم الإنتاح لعدة أشهر. مما سيؤدي إلى أزمة نفطيّة على غرار الأزمة التي حدثت في السبعينيات من القرن الماضي، تتبعها تضخم عالميّ، ستكون أهم ملامحه ارتفاع نسب التضخم وانخفاض معدل النمو الاقتصادي العالميّ.

ومع انهيار أسواق الأسهم، وحدوث تقلبات شديدة في عوائد السندات، واندفاع المستثمرين نحو شراء الأصول الاحتياطية مثل الذهب. ستكون العواقب الاقتصادية شديدة ووخيمة، ومن المتوقع أن تكون أكثر حدة في الصين وأوروبا منها في الولايات المتحدة، التي أصبحت الآن مصدرًا وحيدًا لإنتاج وتصدير النفط، ويصبح بإمكانها أن تفرض ضرائب على أرباح منتجين النفط المحليين لديها، وتستخدمها لدفع تكاليف الدعم وتقليل الأثر السلبي للأوضاع على المستهلكين.

وأخيرا، في هذا السيناريو، يظل النظام الإيراني في السلطة، لأن العديد من الإيرانيين ــ وحتى معارضي النظام ــ يتجمعون خلفه في مواجهة أي هجوم إسرائيلي/أميركي. وتصبح جميع الأطراف في المنطقة أكثر تطرفا ومواجهة، مما يجعل السلام أو التطبيع الدبلوماسي حلما بعيد المنال. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى الحكم على رئاسة بايدن وفرص إعادة انتخابه.

 

السيناريو الرابع

في السيناريو الرابع، ينتشر الصراع أيضًا في جميع أنحاء المنطقة ولكن مع تغيير في النظام في إيران. وإذا انتهى الأمر بإسرائيل والولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران، فإنهما لن يستهدفا المنشآت النووية فحسب، بل سيستهدفان أيضاً البنية التحتية العسكرية والمزدوجة الاستخدام، فضلاً عن قادة النظام. وبدلاً من دعم النظام، قد يتجمع الإيرانيون – الذين ظلوا يحتجون على انتهاكات الشرطة الأخلاقية لأكثر من عام – خلف المعتدلين مثل الرئيس السابق حسن روحاني.

إن الإطاحة بالجمهورية الإسلامية من شأنها أن تسمح لإيران بالانضمام مرة أخرى إلى المجتمع الدولي. وسوف يظل الركود التضخمي العالمي حاداً، ولكن الساحة سوف تكون مهيأة لمزيد من الاستقرار والنمو الأقوى في الشرق الأوسط.

 

خاتمة

ما مدى احتمالية كل سيناريو؟ وأود أن أخصص احتمالًا بنسبة 50% للحفاظ على الوضع الراهن؛ و15% لاندلاع السلام والاستقرار والتقدم بعد الحرب؛ 30% إلى حرب وصراع إقليمي، و5% فقط إلى حرب إقليمية بنهاية سعيدة.

الخبر السار إذن هو أن هناك احتمالًا كبيرًا نسبيًا – 65% – لعدم تصاعد الصراع في مختلف أنحاء المنطقة، مما يعني ضمنًا أن التداعيات الاقتصادية ستكون خفيفة أو يمكن احتواؤها. ولكن النبأ السيء هنا هو أن الأسواق حالياً لا تخصص سوى 5% في أفضل تقدير لاحتمال نشوب صراع إقليمي من شأنه أن يخلف تأثيرات تضخمية حادة في مختلف أنحاء العالم، في حين أن الرقم الأكثر منطقية هو 35%.

ومثل هذا الرضا عن الذات أمر بالغ الخطورة، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الاحتمال المجمع لسيناريو مدمر عالميًا (الواحد، والثالث، والرابع) لا يزال 85%. وقد لا يخلف السيناريو الأكثر ترجيحاً سوى عواقب طفيفة في الأمد القريب على الأسواق والاقتصاد العالمي، ولكنه يعني ضمناً أن الوضع الراهن غير المستقر سوف يظل قائماً، وهو ما من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى صراعات جديدة.

في الوقت الحالي، يتم اعتبار الأسواق على أنها قريبة من الوضع الأمثل، وتفضل وتدعم السيناريوهات الأكثر اعتدالاً. لكن الأسواق كثيرًا ما أخطأت في تقدير الصدمات الجيوسياسية الكبرى. ولا ينبغي لنا أن نتفاجأ إذا حدث ذلك مرة أخرى.

 

شارك المقال:

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي