أثر الحروب على نفسية الأطفال

DNE_b4d1cimage_story

لقد مرَّ العالمُ بكثيرٍ من الحروب المُدمرة، بالأخصّ منطقة الشرق الأوسط، ولذلك ركَّزتْ هذه المقالةُ على تأثيرِ الحروب على الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع، وكيف يمكن أن يجدوا أنفسهم في هذه المنطقة محرومين من الاحتياجات الأساسية ومُعرّضين للجوع والإهمال والمرض والاستغلال.

الأطفال الذين تعرّضوا لأحداث المؤلمة هم الأكثرُ عرضةً للإصابة بمشاكل نفسية أو سلوكية أو عاطفية. ومع ذلك يمكن لبعض الأطفال أن لا يصابوا بتلك المشاكل. وهذه الظاهرة شجعت الباحثين على اكشاف الأسباب التي تجعل الأطفال قادرين على الصمود وكيف يمكن استخدام العوامل المختلفة في حماية الأطفال.
للأسف ظل الشرق الأوسط منطقة اضطرابات لعقود عديدة، بسبب صراعات طويلة الأمد ومعقدة، والتي ظلت دون حل.
تعد هذه المقالة كمراجعة علمية على الصحة العقلية للأطفال والمراهقين الذين يعيشون في مناطق النزاع المُسلّح في الشرق الأوسط، وتحديدًا فلسطين. ومعرفة العوامل التي تتوسط بين التعرّض للنزاع المُسلح والمشكلات العقلية والسلوكية والعاطفية ويضعها في سياقها الثقافي.

تأثيرات الحرب على الأطفال

ومن المؤسف أن كل صراع في فلسطين يجبر الأطفالَ على المرور بتجارب صعبة وقاسية التي يُمكن أن تُؤثر على صحتهم النفسية وكل جوانب حياتهم.
عادة ما يُعتبر الأطفال أكثر عرضة للآثار المباشرة لفظائع الحرب.
إن تأثير النزوح، واللجوء، والمشاكل الناتجة عن الابتعاد عن البيئة المنزلية المألوفة، وتعطيل التعليم والروتين اليومي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأطفال.
بالإضافة إلى ما يتعرض له الأطفال عند نزوحهم بدون أسرهم أو عند فقدان أحد أفراد الأسرة المقربين يمكن أن يكون مدمرًا للصحة النفسية للطفل.
والأسوأ من ذلك هو زيادة احتمال الاستغلال والإساءة (الجنسية والنفسية والجسدية) أو عِمالة الأطفال، والتي غالبًا ما يتم التغاضي عنها كنوع آخر من سوء المعاملة.
في مخيمات اللاجئين تعرض معظم الأطفال بشكل أو بآخر بما سبق.
كما تعرضوا لإصابات، ومشاهد القصف العنيفة، والقتل، وفقدان أحد أفراد أسرتهم أو فقدان أسرتهم بالكامل، مما يعرضهم لاضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحرب.[1]

ما هي صدمة الحرب – war trauma؟

هي ردة فعل على شدة القصف والقتال تسبب العجزَ يظهر في حالةٍ من الذُعر والخوف والهروب والكوابيس وعدم القدرة على النوم أو المشي أو الكلام، مثلها مثل أي تجربة مؤلمة مستمرة والتي تنتج عن رؤية الناس مقتولين أو جرحى أو مشوهين.

وتشمل الأعراض على:

  • صعوبة التخلّص من الذكريات المؤلمة؛ فهو يعيش الحدثَ مِرارًا وتكرارًا بكل جوارحه، مما يُسبب له الضغط العصبي الشديد.
  • المعاناة من كوابيس مزعجة واضطرابات النوم والطعام.
  • سيطرة الأفكار السلبية عن النفس والآخرين، ونظرة تشاؤمية للمستقبل بشكل مُبالغ فيه.
  • الميل إلى الانعزال عن الأسرة والعالم الخارجي.
  • عدم الاهتمام بأنشطته المفضلة، مع سهولة الشعور بالذعر والخوف وسرعة التهيج والغضب.

كما يتباين المصابون في إظهار أعراضهم لاختلاف طبيعتهم النفسية، فبعضهم تظهر أعراضهم في غضون ساعات من النجاة، وبعضهم بعد سنوات على مرور تلك الحوادث المروعة التي مروا بها.

للأسف – وبطبيعة الحال – تتضاعف الاضطرابات العقلية والنفسية في أوقات الحروب؛ حيث ذكرت مجلة الصحة العقلية والنفسية الأميركية: أن 22% من المتواجدين في أماكن الحروب يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية، وأن 9% يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية شديدة.[3]

كما أفادت دراسة قام به باحثون من جامعات (كوينزلاند والأسترالية واشنطن وهارفارد) إلى أن الاكتئاب والقلق يتضاعفان مع تقدم العمر في مناطق الحروب
فيصاب واحد من كل 14 شخص تقريبًا من أحد أشكال المرض العقلي أي ما يقرب من 7.14%.

أثر الحرب على أطفال غزة

يذكر الطبيب النفساني (فرج الله) المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعمل مع صغار اللاجئين في العيادات المجتمعية بمدينة سان فرانسيسكو “أن تجربة الأطفال كانت  قاسية للغاية، كما يصعب وصفها، فكيف يمكن وصف مشاهدة جندي إسرائيلي يقفز من فوق الجدران إلى منزلهم، ويضرب إخوتهم، ويضرب والدتهم؟”

كما وصفت إيمان فرج الله التي نشأت في غزة، والتي شهدت الانتفاضتين – الأولى والثانية –  وقالت “كنتُ غيرَ قادرة على التحدث إلى أي شخص عن مدى رعب تلك التجارب في طفولتي، كما لم يتحدث معي أحد عن تلك الصدمة التي تعرضت لها”.

والآن هناك صدمة جديدة للأطفال في غزة؛ حيث بدأ الصراع الحالي في 7 أكتوبر، عندما هاجمت حماس أجزاء من إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1400 شخص واختطاف أكثر من 200، من بينهم 32 طفلاً. ،ثم بدأت إسرائيل بقصف غزة وشنت غزواً برياً وجوياً.

والأطفال في غزة والرهائن أيضاً، محاصرون في منطقة حرب. فوفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، أن من بين أكثر من 10.000 فلسطيني قتلوا في غزة في الشهر الماضي، وما يقرب من 4.000 طفل. قال الأمين العام للأمم المتحدة “إن غزة أصبحت مقبرة للأطفال”.

لذلك حذرت  منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض المعدية في غزة، وبعض الباحثين يشعرون بالقلق على هؤلاء الأطفال الذين يبقون على قيد الحياة قد يتعرضون لندوب لبقية حياتهم سوء ندوب جسمية أو عقلية

  • وجدت دراسة أجريت عام 2011 معدلات عالية من اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال الفلسطينيين، حيث تتراوح التقديرات في دراسات مختلفة من 23% إلى 70%.
  • وفقًا لليونيسف في عام 2021، كان طفل من كل ثلاثة أطفال في غزة بحاجة إلى رعاية من الصدمات .
  • وفي دراسة أجريت عام 2022، أجرت منظمة (Save the Children) غير الربحية مقابلات مع ما يقرب من 500 طفل و160 والدًا في غزة. ووجدت أن 80% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة ظهرت عليهم أعراض لاضطرابات نفسية. نصفهم  فكروا في الانتحار، وكان ثلاثة من كل خمسة أطفال يؤذون أنفسهم. وأفاد أربعة من كل خمسة أطفال أنهم يعيشون في حالة من الاكتئاب والحزن والخوف.
  • وهناك دراسات شرحت كيف يأثر الصراع على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين أيضاً. حيث يقول دوبو: “معظمنا، عندما يتعرض للعنف، يكون الأمر مكروهًا بالنسبة لنا، ولكن إذا تعرض الأطفال باستمرار للعنف منذ سن مبكرة، يبدأ البعض في فقدان الحساسية تجاهه وقبوله، كما يصبح العنف كوسيلة نموذجية للرد على مواقف اجتماعية.
  • وأفادت دراسة أجريت عام 2013، أن أعلى مستويات من أعراض متلازمة ما بعد الصدمة عند الفلسطينيين، يليهم الأطفال اليهود الإسرائيليون.[4]

 

أما طرق العلاج فتشمل:

العلاج النفسي
كل العلاجات النفسية تركز على الأحداث لفهم ما مرّ به الطفل، وتدعيم الدماغ للتعامل مع هذه الذكريات المؤلمة بطريقة أفضل.

العلاج السلوكي المعرفي
أول من وضع القواعد الأولية للعلاج السلوكي الطبيب الأميركي جوزيف وولب – Joseph Wolpe خلال الحرب العالمية الثانية لمساعدة على التفكير بطرق مختلفة والتحكم في المشاعر السلبية. وعادة ما يتضمن هذا العلاج بعض تمارين الاسترخاء.

العلاج الجمعي
يعتمد هذا العلاج على تجمعات من الأشخاص الذين مروا بتجارب مشابهة، ليسهل البوح عن المآسي التي مروا بها.

العلاج الدوائي
مضادات الاكتئاب تقلل من حدة الاضطراب النفسية، للتحكم في مشاعر القلق والتوتر والتخلص من الكوابيس والمساعدة على النوم، ولا يتم أخد هذه العقاقير إلا تحت إشراف طبيب.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي