ناس بترقص، وناس بتموت

IMG_٢٠٢٣١١٢٥_٢٢٢٢٢١

نشرت جامعة كامبريدج دراسة يوم ٢٠٢٣/٣/١٠ بعنوان (مهرجان الدم: ورقص المجندين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة).

انتشر كثير من الفيديوهات لجنود إسرائيلية يرقصون، مستمتعون بأوقاتهم على أراضي فلسطين المحتلة، وبعد تحليل هذه الفيديوهات اتضح أن الإسرائيليين يستخدمون الرقص كاستراتيجية ممنهجة:١- لنفي التهم والجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق الفلسطينيون ٢- إضفاء الطابع المدني أثناء الخدمة العسكرية.
هذا المقال سيحلل ثلاث فيديوهات لجنود يرقصون، ولكن قبل استعراض هذه الفيديوهات الثلاث، سنتحدث ابتداءً عن فيديو نشر عام ٢٠٠٧.
يظهر في هذا الفيديو الدعائي جندي إسرائيلي يحمل بندقية موجهة نحو طفل فلسطيني يرمي الحجر عليه، حيث نجح الجندي في إطلاق النار على الحجارة دون أن يصيب الطفل، ثم تتوسع إطار الكاميرا، لنرى أن الاثنان يقومان بالفعل بإطلاق النار ورمي الطوب، ولكن كان هذا بالاتفاق بينهم وكأنهم يلعبان مع بعضهم أو يجسدان مسرحية، وفي الخلفية موسيقى _الكليزمر_ (هي موسيقى كلاسيكية يهودية)، وبعد انتهاء اللعبة، يسلمان ع بعضهما بحرارة ويرقصان، وبعد ذلك يقوم الطفل الفلسطيني بوضع يده ع كتف الجندي، ثم رفع الجندي الطفل على ظهره وساروا بعيد عن الكاميرا لنرى في مشهد ضبابي أن الجندي قد أعطى الطفل “خوذته وسلاحه”.
وفي هذا الفيديو تم استخدام الرقص كعلامة من علامات الاحتفال النهائي للسلام المليء بالأمل، الذي تم تجسيده من خلال القرب الجسدي المتناغم.

لماذا يتم استخدام الرقص في الفيديوهات؟
ليضيف الطابع المدني والإنساني، ولتخفيف من صور العنف المأخوذة عنهم
وتم ذلك من خلال تغيير شكل العنف المتأصل في البندقية والطوب، وتحويلهما من دلالات عنف إلى مرح ومحبة متبادلة
من ثَمَّ تم خداع المشاهد من خلال قلب الشواهد البصرية والمادية للصراع نفسه.
أي تصوير الرقص على أنه أداة “حضارية” في العداء الإسرائيلي الفلسطيني
واستخدام الرقص كأداة حضارية في الصراع يعتمد على عاملين.
العامل الأول : الاستفادة من تاريخ المؤسسات الإسرائيلية، في تصنيع “ثقافة جسدية إسرائيلية” التي ساهمت على تجسيد وترسيخ مبادئ الدولة الصهيونية ، كما يساعد الرقص في أخذ الفكرة عن إسرائيل “أنه تمد اليد للسلام”، وإضفاء الطابع الأخلاقي والإنساني على الممارسة العسكرية، وبذلك يصبح للرقص دور أخلاقي وترفيهي على المستوطنين ولذلك ترتبط هذه النقطة بشكلٍ واضح بالعامل الثاني
العامل الثاني: السماح باستمرار الحياة المدنية أثناء تأدية الخدمة العسكرية
فالخدمة العسكرية هناك إلزامية على الرجال والنساء، حيث (يتراوح أعمار الرجال بين 18-29 عامًا) ( والنساء بين 18-26 عامًا).
يتم تجنيد من يجتاز الاختبارات اللياقة الطبية، مع وجود بعض الاستثناءات “الإعفاء”، من ضمن هذه الاستثناءات المواطنون العرب والمسلمون بشكل عام، ولكن الخدمة واجبة على الرجال من الطائفتين الدرزية (الأقلية الدينية الناطقة بالعربية) والشركسية (الأقلية المسلمة) حتى عام 2014.
في حين أن الرجال (اليهود الحريديم والأرثوذكس المتطرفون) معفيين، كما يمكن للمرأة أن تطلب الإعفاء لأسباب دينية، والحمل، والرضاعة، وتتمتع كل النساء المتزوجات بإعفاء تلقائي.
في الحقيقة العلاقة بين جيش الدفاع الإسرائيلي والرقص (علاقة طويلة).
وممارسة الرقص سوء (الشعبي والحديث والجاز)، نشاط مدني داخل الجيش كاستراتيجية لإقناع المدنيين بتأدية الخدمة الوطنية.
حتى ممارسة الرقص من غير حمل أسلحة أثناء الخدمة يعزز من (قوة القتل) التي يتمتع بها الجيش.
عرف لمبيمبي قوة القتل: على أنها الأداء القانوني للممارسات التي تمارسها الأشخاص المصرح لهم بتحديد من يعيش (وكيف)؟ ومن يموت (وكيف).؟

. وأكد كل من العالمان الأنثروبولوجيا (آدي كونتسمان) (ريبيكا إل. ستاين) على أن:
* استخدام “وسائل التواصل الاجتماعي، والرقص” يساعد “الاحتلال” في إقناع الآخرين، بأنهم كيان -ديمقراطي- ، عن طريق بث ونشر المعلومات التي يريدون أن يعرفها العالم عنهم من خلال الردود على تعليقات هذه الفيديوهات، وذلك يذكرنا بما حدث أثناء الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى 2000-2005)، زاد تواجد ضباط جيش الدفاع الاسرائيلي في التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية من أجل مراقبة المعلومات التي تصل إلى الجمهور
* واستخدام هذه المنصات أثناء الخدمة وهم يرقصون يساعدهم على التصدي ضد “الناشطين والمناهضين” الرافضين للاحتلال.

لذلك بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي الاستثمار في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي عام ٢٠٠٨، حيث أصدر قناته الخاصة على موقع يوتيوب.
وفي ذلك الوقت، غير مسموح للجنود بحمل هواتف ذكية شخصية أثناء المهام لأسباب أمنية
ومع ذلك، ‘فإن الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات قالوا” أن الجنود في الواقع كانوا يستخدمون هواتفهم الذكية أثناء الخدمة الفعلية، وساعدت إمكانية مشاركة صور الحياة العسكرية اليومية أو مقاطع الفيديو التي تم التقاطها أثناء الاشتباكات بين جيش الاحتلال والفلسطينيين على تقصير المسافة بين تصورات المدنيين “للحياة العسكرية والحياة الفعلية للجنود”، ولكنها ساعدت أيضًا على جعل الجنود أنفسهم على اتصال بالمدنيين.
مع أخذ في الاعتبار، أن الرقص في مقاطع الفيديو: ممارسة ترفيهية ينخرط فيها الجنود لإضفاء الطابع الإنساني على أنفسهم والتغلب على قوتهم في الوقت نفسه من خلال تخفيف الأداء التقليدي للقوة العسكرية من خلال رقصات غير مؤسسية تتميز بطابع مرح.

فالرقص: أداة تخفيفية لهيمنة استعمارية استيطانية غاشمة كما يعد “قوة ناعمة” لممارسة السيطرة العسكرية “وقوة القتل”.
ولذلك طُرَحت بعض الأسئلة
*كيف ينظم الجنود الرقصات داخل المعسكرات؟
*ما هي المكانة التي سيحصلون عليها عندما يرقصون بالزي الرسمي خارج القواعد التأديبية العسكرية؟
*وكيف تغير هذا الوضع اي” تداول أجساد الجنود على منصات عالمية مثل اليوتيوب”؟

لتجيب ريبيكا ل. شتاين: أن “اسرائيل” تستغل منصات (فيسبوك وتويتر ويوتيوب) كمجموعة جديدة من الخطابات، والجماليات لإضفاء طابع جيداً عنها وابراز الشعور المدني، وفي الوقت نفسه تتصدي للتعليقات والأفكار، التي لا تستطيع القيادات العليا السيطرة عليها.

الفيديو الأول: من داخل قلعة الخليل (٢٠١٠)
وهو مقطع فيديو تم نشره وإزالته وإعادة نشره عدة مرات على يوتيوب، تم رفعه في صيف 2010، تحت عنوان “جنود يرقصون في الخليل”
حيث ظهر فيه ستة جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي مسلحين يرتدون معدات قتالية كاملة، في وسط المدينة المحتلة الخليل في الضفة الغربية، أثناء الدورية، عند سماع أذان المسلمين للصلاة، بدأ الجنود برقصة على أنغام أغنية “تيك توك” لمغنية البوب الأمريكية “كيشا”، وكان من الغريب أن الكاميرا لا تهتز، لأن تم التخطيط لذلك مسبقًا ، مع اختيار الوقت بعناية.
فهم ستة جنود، مجهزين بالكامل، يتحركون ببطء في شارع في منطقة سكنية بالخليل، ينظمون أنفسهم في طابورين. في البداية، ويتصرفون كما لو لديهم دورية ، ويبحثون بعناية حولهم عن أعداء محتملين، ويثنون ركبهم، ويراقبون ظهور بعضهم البعض، حاملون بنادقهم الثقيلة.
وفي الوقت نفسه يعيدون ترتيب أنفسهم ويقدمون محاكاة ساخرة لأنفسهم لإضفاء الطابع المسرحي على الجيش.
علاوة على ذلك: فإن عدم الاحترام الذي أظهره الجنود الستة يمكن تصنيفه على نفس المنوال للسياسات الغربية المعادية للمسلمين
وتشير تكرار هذه الرقصة، المصحوبة بالكلمات البليغة، إلى حرب (جورج دبليو بوش) العالمية على الإرهاب، مما يعزز التصوير الغربي الذي يروج للمسلم على أنه ” أخر”، في هذه الحالة الفلسطيني على أنه “إرهابي”، لتوقف الآذان
وبذلك يصبح التعطيل الآذان شكلاً من أشكال التهجير الثقافي والزماني والمكاني، وجزء من الحياة اليومية الطبيعية للصراع في الضفة الغربية

الفيديو الثاني: رقص جندي في حفل زفاف فلسطيني (٢٠١٣)
في 29 /٨/ 2013، قامت النشرة الدولية من الصحف العالمية بهجوم على فيديو يظهر فيه جنديًا إسرائيليًا من كتيبة “روتيم”، وهو يرقص في حفل زفاف فلسطيني بنادٍ في الخليل، حيث دخل جندي بمعداته (بما في ذلك الأسلحة والخوذات) إلى الزفاف خلال دوريته في حي جعبرة بالخليل، وانضم إلى الضيوف وهم يرقصون على أغنية أنغام “Gangnam Style” لمغني البوب الكوري الجنوبي PSY، والتي حققت استقطابًا عالميًا
إن “إطار” رقصة الزفاف هناك يعقد سياسات الذكورة المتداخلة بين الثقافتين “الإسرائيلية والفلسطينية”.
فالثقافتين” العربية واليهودية”: يرفعون العريس وأحيانًا( كبار الضيوف من بعده) أثناء الاحتفال بالزفاف، (على أكتاف الحاضرين ويمروا عبر الحشد ” منتصرًا”، كنوع من الاعتراف الاجتماعي بالرجولة الذكر
وتم رفع الجندي على أكتاف رجل فلسطيني ، كما يواصل الجندي الرقص ببندقيته متابعاً إيقاع أغنية البوب.
هذا الفيديو: عمل على تعلق العداء مؤقتاً والاعتراف التقليدي بالذكورة المنتصرة

الفيديو الثالث: لجنود يرقصون قبل تجهيزات الحرب (٢٠١٤)
مقطع فيديو تم تسجيله في موقع عسكري في غزة أثناء “عملية الجرف الصامد”، في صيف 2014، ونشر بعنوان “IDF Soldiers Take a Little R&R”، بواسطة “YouTube The Heartland of Israel “، وهذا الحساب تابع لمنظمة “ليف هعولام” وهي منظمة حكومية إسرائيلية تستهدف النشطاء الكارة لحكومتهم، كما تدعم توسيع المستوطنات
للوهلة الأولى ترى العنوان يشير إلى “الراحة والتعافي”، ولكن كشفت بعض العناصر عن الهدف من الرقص، فهي طقوس تحضيرية للجنود الذين يستعدون للمهمة، وكانت تعليقات هذا الفيديو تجمع بين إحساس “الاحتفال والشجاعة”، فهو يصور الرقصة على أنها “استراحة من مكافحة الإرهاب في غزة” “والشعور بالاهتمام والخوف على مصير الجنود”، يظهرون في الفيديو ” يغنون ويرقصون ويحتفلون”.
ولكن في الحقيقة :هذا الفيديو لا يحتفل بحياة الجنود ولا يحزن على نهايتهم أيضاً، إنما “يمجد” كيان الدولة الإسرائيلية
تم تصوير الفيديو في مستودع عسكري مليء بالجنود مرتدين الزي العسكري، وبعضهم يحمل حقائب ظهر، ووجوههم مغطاة بالطلاء المموه، ويرتدي الكثيرون الكيباه.
عند مدخل المبنى صعد ثلاثة جنود ورجلين من الحريديم (المتشددين) على سطح شاحنة صغيرة متعددة الألوان مرئية جزئيا، لدلالات جمالية وترفيهية
وفي الخلفية صوت رجل غليظ يصدر من مكبرات الصوت يقود الحدث، مع سماع أغنية “مي شمامين” (2010)، والتي تشبه أنشودة كرة القدم بأصوات ذكورية يغنون “المؤمن لا يخاف”، يغني الجنود معًا، ويشكل بعضهم دائرة أثناء القفز، وكلمات الأغنية تذكر الجنود بأنهم بين أيدي الله، “ويحميهم من الجميع”، وأن “أمة إسرائيل لن تستسلم”
من هنا، تجمع الأخوة والصداقة الحميمة العسكرية ببصمة دينية واضحة:
يعمل هذا السيناريو على تحديث ثقافة الرقص الديني التقليدي” الحسيدية”، وإعادة صيغتها في سياق الحرب الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه يخدم التعظيم الديني نظام الحرب.
على الجانب الآخر يبدو بعض الجنود قلقين ومتوترين، ربما يفكرون في المهمة القادمة، غير مقتنعين بطقوس الرقص الحربي

من خلال تحليل الرقصات السابقة يظهر:
*استعراض جيش الاحتلال مرونة حركته من خلال الرقص بزيهم العسكري وحمل بنادقهم وغيرها من المعدات العسكرية،
* لا يتوقف الجنود إلى الأبد عن الأداء في القتل.
*ويشير الرقص إلى القوة الناعمة لقوة العنف والقتل لديهم
في الفيديو الأول (الخليل، 2010)، ظهر الجنود ساخرين من الانضباط العسكري من خلال تصميم رقصة تشبه رقصة MTV مع توقيت آذان المسلمين
وفي الفيديو الثاني (العرس الفلسطيني، 2013)، انضمام الجندي بزي الرسمي إلى العرس الفلسطيني لا يوحي بوجود تعايش سلمي فعلي .
الفيديو الثالث (طقوس ما قبل القتال، 2014)، لا يعد تحفيزًا جماعياً، إنما مجرد عادات تقليدية بين الجنود.
في مقاطع الفيديو الثلاثة جميعها يزيد من مرونة الأداء الحركي للجنود، بالإضافة لتجسيد أدورهم كجنود
من خلال تحليل “مشاعر وآراء” التعليقات على مقاطع الفيديو الثلاثة:
أن 1.8% فقط من المعلقين اعتبروا أن رقصات الجندي تشتت الانتباه عن وظيفتهم العسكرية
في حين أن 26.3% ربطوا بشكل مباشر بين ممارسة الرقص لممارسة السلطة العسكرية والسياسية.
وفي الحقيقة: لا تشير المحاكاة الساخرة إلى مجرد صورة من صور كاريكاتير (كما يُقصد بها غالبًا).ولكنها، تشير إلى آلية التزوير، من خلال قلب الشواهد البصرية عن استخدام دلالات العنف “المعدات والأسلحة وزي الرسمي” إلى دلالات مرحة مثل “الرقص”
إن الرقص الذي نناقشه هنا يعمل بمثابة ،أداة من أدوات الاستعمار، فالرقص ليس محاكاة ساخرة للفلسطينيين ولا للاحتلال أيضاً.

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي