مع انتشار حلقة الدحيح الشهيرة حول قصة الأرض الفلسطينية ومراحل الاستيطان الاسرائيلي فيها، أشار أحمد الغندور إلى قائمة من المصادر الإسرائيلية التي اعتمد عليها في تسجيل حلقته الشهيرة، ومن بين أصحاب هذه الروايات الكاتب الإسرائيلي “إيلان بابي Ilan Pappé “، فما هي قصة هذا المؤرخ؟ وما هو موضوع كتابه؟
التعريف بـ إيلان بابي:
إيلان بابي هو مؤرخ “إسرائيلي” وناشط اشتراكي. وُلد في حيفا (فلسطين المحتلة) عام 1954م، حصل على الدكتوراة من جامعة أكسفورد عام 1984. بعد أن قام بالتدريس لأكثر من عقدين من الزمن في جامعة حيفا في إسرائيل، ثم عمل أستاذًا للتاريخ في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، ومديرًا للمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية التابع للجامعة، والمدير المشارك لمركز إكستر للدراسات العرقية والسياسية. وهو أيضًا مؤلف بعض الكتب الأكثر مبيعًا؛مثل: التطهير العرقي لفلسطين (عالم واحد)، تاريخ فلسطين الحديثة (كامبريدج)، الشرق الأوسط الحديث (روتليدج)، مسألة إسرائيل/فلسطين (روتليدج)، الفلسطينيون المنسيون: تاريخ الفلسطينيون في إسرائيل (ييل)، فكرة إسرائيل: تاريخ القوة والمعرفة، وكتب مع نعوم تشومسكي، غزة في أزمة: تأملات في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين (بنغوين)، وعمل في عدة مجلات منها صحيفة الغارديان ومجلة لندن.
الكتاب ” The Ethnic Cleansing of Palestine ” ” التطهير العرقي في فلسطين”
الكتاب من منشورات دار One world، سبتمبر 2007م ويقع في 336 صفحة، ويُعد هذا الكتاب “التطهير العرقي في فلسطين” كواحد من أكثر الكتب التي تم بحثها بشق الأنفس حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية حتى الآن، وقد أهدى المؤلف هذا العمل لمئات الآلاف من ضحايا النكبة الفلسطينية عام 1948م، وقد تم ترجمة الكتاب عام 2007م عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بترجمة جيدة للأستاذ أحمد خليفة.
لقد استغل إيلان بابي ما بدأه بعض المؤرخون الجدد من خلال الترويج للحجج التي تلقي اللوم حصريًا على الصهاينة الأوائل لإيذاء العرب وتدمير فرص السلام والمصالحة. في الواقع، لقد كانت هذه الرؤية هي السبب في ترك بابي لجامعة حيفا في عام 2007 م، كما أن تأييده للمقاطعة البريطانية للجامعات الإسرائيلية دفع رئيس الجامعة إلى المطالبة باستقالته. ومن منصبه الجديد في جامعة إكستر، حتى بدأ بالترويج لكتابه الصادر عام م2006 م بعنوان “التطهير العرقي في فلسطين The Ethnic Cleansing of Palestine”” .
محتويات الكتاب:
خلال حرب فلسطين عام 1948، فر حوالي 720 ألف عربي فلسطيني من أصل 900 ألف يعيشون في الأراضي التي سيطر عليها الكيان الصهيوني فيما بعد، أو طُردوا من منازلهم. وتُعد أسباب هذا النزوح مثيرة للجدل كما يناقشها المؤرخون. وبكلماته الخاصة، يريد إيلان بابي أن يطرح نموذج التطهير العرقي ويستخدمه ليحل محل نموذج الحرب كأساس للبحث العلمي والنقاش العام حول عام 1948م.
خُصص معظم الكتاب لسرد قصة مألوفة مفادها ذلك الغزو الذي تعرضت له معظم البلاد الفلسطينية من قبل دولة استيطانية استعمارية منظمة تنظيمًا جيدًا وقيامهم بعملية الطرد – الذي تم تنفيذه من خلال مجموعة متنوعة من التكتيكات بما في ذلك الفظائع – لأكبر عدد ممكن من الناس.
اعتمد بابي في كتابه على بعض المصادر الثانوية وبعض المصادر الأولية المستمدة بشكل رئيسي من الأرشيف الإسرائيلي، وبحسب رواية بابي، فقد خططت الهيئة الاستشارية للتطهير العرقي في تنفيذ هذا المخطط بشكل دقيق، ويقدم في الفصل الأول التعريف للتطهير العرقي: “إنها سياسة محددة جيدًا تتبعها مجموعة معينة من الأشخاص للقضاء بشكل منهجي على مجموعة أخرى من منطقة معينة على أساس الأصل الديني أو العرقي أو القومي، وتنطوي مثل هذه السياسة على العنف وغالبًا ما ترتبط به العمليات العسكرية”.
وتتمثل فرضية الكتاب في أن التهجير القسري للفلسطينيين إلى العالم العربي كان هدفًا للحركة الصهيونية وضروريًا للطابع المنشود للدولة اليهودية. ووفقًا لبابي، فإن طرد الفلسطينيين وهروبهم عام 1948م نتج عن التطهير العرقي المخطط له في فلسطين والذي نفذه قادة الحركة الصهيونية، وخاصة ديفيد بن غوريون والأعضاء العشرة الآخرين في “مجموعته الاستشارية” كما أشار بابي. ويجادل الكتاب بأن التطهير العرقي تم تنفيذه من خلال عمليات الطرد المنهجي لنحو 500 قرية عربية، فضلاً عن الهجمات الإرهابية التي نفذها بشكل رئيسي أعضاء من قوات الأرغون والهاغانا ضد السكان المدنيين. ويشير إيلان بابي أيضًا إلى خطة داليت (Plan Dalet) وإلى ملفات القرية كدليل على عمليات الطرد المخطط لها.
تبدأ القصة بما يسمى بمشروع “ملف القرية” الذي يحتوي على معلومات محددة ومفصلة عن القرى والخرائط والعشائر والناشطين الفلسطينيين. تم تجميع “ملف القرية” من قبل خبراء الجامعة العبرية بالتعاون مع مجتمع الاستخبارات منذ عام 1940م. وكان بمثابة حالة استشراق ملفتة للنظر، وتم تحديثه بانتظام، وأصبح له دور فعال في تنفيذ خطة دالت السابقة الذكر. ويكشف بابي عن الدور المركزي الذي لعبته الهيئة الاستشارية، وهي لجنة الأحد عشر، التي ترأسها دافيد بن غوريون، وضباطها العسكريون المساعدون الذين صمموا ونفذوا وناقشوا بشكل لا لبس فيه تفاصيل خطة النقل الرئيسية من خلال سلسلة من الاجتماعات والمناقشات الطويلة.
تطورت الخطة من الخطة (أ) في عام 1937م، عندما تم اقتراح التقسيم في أعقاب الثورة الفلسطينية في عامي 1936-1939، إلى الخطتين (ب) و (ج) في عام 1946م عندما أعلن البريطانيون عن نيتهم مغادرة فلسطين، إلى النسخة النهائية (د) التي اختتمت في 1946م. لم يقتصر الأمر على خطوات عملية ومنهجية فحسب، بل شملت أنماط طرد المناطق الريفية على أساس قربها من المناطق الحضرية الكبرى.
يوضح صاحب الكتاب مستوى الإفلاس الأخلاقي لأعضاء الهيئة الاستشارية وضباط الجيش. لم يرفضوا العديد من البدائل الممكنة لتحقيق السلام ووقف إطلاق النار فحسب، بل انتهكوا أيضًا هدنة تلو الأخرى، واغتالوا وسيط الأمم المتحدة، الكونت برنادوت، وبغضوا تمامًا الهدوء الذي أظهرته العديد من القرى الفلسطينية ردًا على العديد من الاستفزازات الصهيونية لتبرير المزيد من الهجمات المخطط لها. ولم تكن مجازرهم ضد المدنيين الفلسطينيين عادية، بل كانت ممارسة إسرائيلية متكررة إلى حد ما (على سبيل المثال، دير ياسين في 9 أبريل 1948م، والطنطورة في 22 مايو 1948م، ثم قبية في 15 أكتوبر 1953م).
وتشهد الأدلة التي قدمها بابي على وجود خطة رئيسية مفصلة للتطهير العرقي (قبل رفع السرية عن بعض الوثائق من أرشيفات جيش الدفاع الإسرائيلي في أواخر التسعينيات)، مفادها أن العديد من الضباط تصرفوا من تلقاء أنفسهم وأن بعض تهجير الفلسطينيين كان نتيجة للحرب، يؤكد بابي: “لقد تم تسليم خطة داليت إلى قادة الألوية ليس كمبادئ توجيهية غامضة، ولكن كأوامر عملياتية واضحة المعالم للعمل”. تم إعطاء القادة جدولًا زمنيًا محددًا وموقعًا وتعليمات مفصلة لكل مهمة (الترهيب على نطاق واسع، حصار وقصف القرى والبلدات، إشعال النار في المنازل، طرد السكان وتفجير المنازل وزرع الألغام في الأنقاض لمنع المطرودين من النزوح).
من المؤكد أن رواية بابي لأحداث عام 1948م تدفع القارئ إلى التشكيك في فكرة حرب عام 1948م برمتها، كتوصيف مناسب للأحداث. ويؤكد الفصل الذي يحمل عنوان “الحرب الزائفة والحرب الحقيقية على فلسطين” استنتاجات القراء المبكرة، والتي يدعمها القائد الأعلى للفيلق العربي الإنجليزي غلوب باشا، الذي أطلق على أحداث 1948 اسم “الحرب الزائفة”.
إن سرد أحداث عام 1948م في فلسطين بشكل متكرر لا يعد مؤشرًا على التنافس الحاد الذي لا يزال دون حل في فلسطين فحسب، بل الأهم من ذلك هو الأهمية القصوى لهذه الأحداث لكل من الصراع الدائر وحله. وبما أن بناء الذاكرة كان مُركزًا على الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الذكرى تمثل وتيرة في المحاولة المستمرة لفك إسكات الخطاب الفلسطيني، كما أن النسيان هو أكثر من مجرد خطوة على طريق استيعاب الهزيمة.
بابي في عيون الكُتاب:
خلصت مراجعة الأستاذ أوري رام (Uri Ram’s) في جامعة بن غوريون في مجلة الشرق الأوسط إلى أن “بابي يقدم هنا كتابًا أكثر أهمية وجرأة يتحدى التأريخ الإسرائيلي بشكل مباشر”، بينما وصف يورغن جينسهاوجين (Jørgen Jensehaugen)، في مجلة أبحاث السلام، الكتاب بأنه “قراءة جيدة”، ولكنه يرى بابي مخطئًا لادعائه أن الطرد المخطط له مسبقًا للفلسطينيين كان “سبب الحرب”، وليس مجرد “جانب واحد من خطط الحرب المختلفة”، أما إفرايم نيمني (Ephraim Nimni)، في مجلة الدراسات الفلسطينية، يشيد ببابي على “الطابع الجدلي” للكتاب، لكنه يدعي أن القادة الصهاينة لم يكونوا مسؤولين وحدهم عن التطهير العرقي.